’** تعدد أطراف الازمة وأساسبابها فى الجزائر يجعل اى مراقب حاذق يشعر طوال بحثه فى الازمة بأنه يبدأ من الأول !
** ومع ذلك أستطيع أن أؤكد بعد عام كامل من المراقبة والتسجيل والبحث الدقيق وبعد زيارة ميدانية استمرت لمدة اسبوع كامل .. استطيع ان اؤكد ان الجزائر الآن ، أو فلنقل ان اطراف الازمة فى الجزائر يعيشون الآن مرحلة الشك والتردد .
** هذه المرحلة من وجه نظرى مرحلة تقدمية أو متطورة جداً إذا لمنا أن الجزائر منذ بداية عام 1991م وحتى بداية عام 1994م كانت تعيش مرحلة أخرى هى باختصار مرحلة النفى والاستئصال !,
** لقد أسفر زلزال توقيف المسار الانتخابى فى11 يناير 1991م عن حالةمن العنف تبعتها حالات أكثر حالة حدة وجنوناً ، وكما يقول المحامى اشهير يحيى عبد النور رئيس رابطة الدفاع عن حقوق الانسان فإن العنف الأول تتبعه أنواع متعددة من العنف .. ولقد كان توقيف المسار الانتخابى وحالة الطوارىء يوم 9 فبراير 1992م بمثابة حركة تولد عنها اضطهاد أعمى مع فتح مراكز اعتقالات عشوائية الأمر الذى قاد البلاد الى طريق مسدود .. ان حل الجبهة الاسلامية للانقاذ من طرف السلطة – كما يقول المحامى عبد النور وبمصادقة العدالة – صعد من الانزلاق نحو ما يسميه بالراديكالية ، وساهم كذلك فى نضج العنف . ودفع بشباب جزائرى "ليس له ما يخسره" نحو حياة السرية بمنطقها وكل مزايداتها من جهة ، ومن جهة أخرى فقد بات واضحاً فشل المجلس الأعلى للدولة فى المهام الثلاث التى حددها لنفسه ، والمتعقة باعادة النظام العام ، وهيبة الدولة ، وانعاش الاقتصاد الوطنى ، وتنظيم انتخابات رئاسية قبل نهاية السنة الماضية ، فلا هدف من هذه الأهداف تحقق ، وبدلاً من اعتبار المعارضة كشريك حقيقى وجدى ، راح المجلس يبحث عن تدجين وادماج المعارضة فى النظام الساسى .. ان فترة السنتين الماضيتين باختصار كانت عبارة عن مرحلة انتقالية .. فلماذا مرحلة انتقالية لمرحلة انتقالية ؟!
** والحل ؟!
** يجب تحديد الاهداف التى يراد الوصول اليها ، فالوقت ثمين ، والهدف الأول يبقى هو وقف تدفق الدم وعودة الأمن المدنى ، والهدف الثانى هو الخروج من حالة اللاشرعية واللاقانونية .
الشك المترسب
** هذان الهدفان فى الحقيقة ومن خلال المقابلات التى اجريتها فى الجزائر باتا هما الهاجس الأول للطرف الأول "طرف السلطة – سلطة زرزال"، والطرف الثانى "طرف الانقاذ – انقاذ عباسى وبلحاج" ولأن الامر كذلك فان اقبال الطرف الأول على الآخر تعترضه عوامل الشك المترسبة فى نفوس الطرفين خاصة الطرف الثانى ، وعوامل الخوف المترسبة فى نفوس الطرفين خاصة الطرف الأول ! أضف الى ذلك ان هناك اطرافاً اخرى تصعب من مهمة تلاقى الطرفين وبالتالى الوصول الى حل .. لقد تراكمت المشاكل والفرعيات وخلفت وراءها انعكاسات خطيرة ليس من اليسير معالجتها .
** كذلك فإن لكل أزمة ظروفها ، ولكل حل شروطه على المستوى النفسى والسياسى والاجتماعى، بل الامنى .. لقد ظل المانع خلال الثلاثة أعوام الماضية هو نظرة "الانقاذ" للسلطة على انها مجموعة من الطغاة الذين يحاربون الله ورسوله ويحاولون تغيير هوية الجزائر العربية المسلمة ، وفى المقابل نظرة السلطة للانقاذ على انها مجموعة من الارهابيين حملة السلاح فى وجه الابريا ! وبهذه النظرة التى تحولت الى منهج له رواده ومنظروه وحراسه ، مضى الطرفان فى شوارع الجزائر وجبالها وقراها ومدنها ، ومن ثم فقد كان من الصعب – ام لم يكن من المستحيل ان يلتقى الطرفان فى نهاية او منتصف الطريق .
** غير ان ما حدث هو ان الطرفين جربا أو اكتشفا فى النهاية صعوبة الوصول الى حل ، فى الوقت الذى شهدت فيه شوارع الجزائر دماء الجزائريين وهى تذهب هدراً تارة وغدراً تارة أخرى .. حمقاً تارة واستشهاداً تارة أخرى .
** أخيراً قرر الطرفان استخدام العقل ليكشفا فى النهاية ان الازمة أكبر من السلطة ومن الانقاذ ، ولابد من جلوس جميع الاطراف الفاعلة وعددها ستة . لقد أدرك رجال "الانقاذ" ان "البندقية" لن تسقط نظاماً عسكرى بطبعه ، وأدرك رجال السلطة – أو فلنقل رجال زروال – ان "المعتقلات" لن تكفى لحبس شعب بأكمله ، ولان الطرفين الجديدان يهدفان الى جزائر عربية "مسملة حرة مستقلة ، فقد كان لابد ان يلتقى زروال وزير الدفاع ثم رئيس الجمهورية مع عباسى مدنى وعلى بلحاج وعبد القادر بوخمخم وعلى جدى ، وكان الاتفاق لتدخل الجزائر المرحلة الجديدة ، مرحلة الشك والتردد كما أسميها !
دلائل الشك
** يظل اذن مبعث التردد فى الانتقال الى مرحلة أخرى جديدة هو الشك المسيطر على كل طرف، فالسلطة تقول ما الضمانات التى سنحصل عليها اذا اعطينا "الانقاذ" تقول ما الضمانات التى ستحصل عليها اذا جلسنا مع السلطة ومع بقية الاطراف لحل المشكلة ؟
** دليل هذا الشك والتردد انه بعد الاتفاق الذى تم فى السجن بين السلطة والانقاذ على الافراج عن الشيخين على جدى وعبد القادر بوخمخم ، أعلن المتحدث الرسمى باسم الدولة ، بل أعلن الرئيس زروال نفسه أن قادة "الانقاذ" تعهدوا له فى السجن بالعمل على وقف أعمال العنف ، وسرعان ما صدرت ردود الفعل التى تنفى قبل ان يصرح الشيخان لـ "المسلمون" اننا لم نكذب ولم ننف ذلك .
** من أسباب التردد أيضاً وجود طرف فى السلطة ما زال يصر على عدم الاعتراف بالانقاذ ، بل يدعو ليلاً ونهاراً الى الاستئصال ، لكننى أؤكد ان هذا الطرف على كبره أخذ فى التقلص ، وفى كل يوم يصدر زروال قراراً او يتخذ خطوة تحول دون بروز هذا الطرف المتشدد ، ولعل من اخر هذه الخطوات عزل مدير التليفزيون مانع الآذان والمجاهر بالافطار فى نهار رمضان ، ومانع المحجبات من الظهور حتى ولو كن ضيفات ! أضف الى ذلك تطور فكر بعض أفراد هذا الطرف الى درجة الاعتراف بالآخرين ، وهذا لم يكن موجوداً من قبل ، وعلى الطرف الآخر فإن اكثر الاطراف تمسكاً فى "الانقاذ" وهو الشيخ على بلحاج الذى يصدر عنه ، أو فلنقل يتردد عنه سهره الدائم على كيفية وقف نزيف الدم الجزائرى وساتعداده التام للدخول فى الحوار اذا كان هذا الحوار على قدر من الجدية والصراحة ، تبقى الحقيقة الثابتة ان لا مجال للخوف من انفلات الامور من "الانقاذ" اذا قبل رموزها بالحوار ، فعندئذ سينكشف دعاة العنف ، وسيسحب قادة الانقاذ عنهم الغطاء الشرعى والسياسى ، ويتتحول سلبية الوطن الجزائرى المحايد الى ايجابية فى وقف كافة اشكال العمل المسلح ، ويبقى الدور على طرف السلطة الذى اؤكد انه الاقوى والاكثر اخلاصاً ووطنية ، بل وطهارة ، ومن ثم فانه قادر على تقليص دعاة العنف من صفوفه فسينكشفون بدورهم أمام الشعب وستكون مصيبتهم كبيرة خاصة فى الخارج فى ظل النظرة الامريكية الجديدة للموضوع واختلافها الجذرىمع النظرة الفرنسية العجيبة !
** لقد تبلورت سياسة زروال الداعية الى "محاورة الفيس "الانقاذ" السياسى ومحاربة "الفيس المسلح" وعلى الطرف الآخر يمضى الشيخان بوخمخم وجدى المكلفان رسمياً من الشيخ عباسى مدنى فى طريق تهيئة الأجواء للحوار .
عبد الحميد مهرى زعيم جبهة التحرير الجزائرية:
اجراءات "السلطة" لا تكفى والوضع يحتاج لجرأة أكثر
لابد من دعوة قادة "الانقاذ" علناً فى وضح النهار
مواقفنا لا يقصد منها تجميل الماضى وانما التعامل مع الواقع
** فى ظل هذه المرحلة الحرجة .. ما موقف جبهة التحرير باعتبارها الطرف الثالث فى المشكلة وباعتبارها صاحبة الارث التاريخى الكبير ؟
** لقد ظلت الجبهة تحكم الجزائر لمدة 30 عاماً ، ومن ثم فقد الصقت بها كل الاتهامات ونسبت اليها كل الخسائر .
** للاجابة عن هذا السؤال واسئلة اخرى اكثر صراحة ؛ التقيت بعبد الحميد مهرى قائد جبهة التحرير الجزائرية فى مكتبه "الباقى" بالعاصمة الجزائرية .
** قلت لعبد الحميد مهرى : ها نحن نلتقىمرة اخرى بعد عام كامل لنسألك : الى اين وصلت الامور ؟ وما رؤية الجبهة لكيفية الخروج من الازمة ؟
** قال : كان بودى ان تسير الامور فى اتجاه طيب ، لكن الواقع يفرض ان نؤكد انالامور سارت فى اتجاه سلبى على جميع الاصعدة سواء على مستوى الاخفاق فى خطوات الحوار او على سمتوى الوضع الامنى .
** لقد وصلنا الى مرحلةنسميها مرحلة الانسداد السياسى .. تلك المرحلةالتى واكبت الاوضاع الاقتصادية التى تتطلب الاتجاه الى حل جذرى .
** أما عن تصواراتنا لكيفية الخروج من الازمة فقد شرحناها فى رسالة وجهناها الى رئيس الدولة مباشرة . ولقد ذكرنا له فيها ان رئيس الدولة لابد ان يدرك ان الاحزاب الفاعلة فى تمثيل الشعب – وهى تلك الاحزاب التى حصلت على 100 الف صوت فما فوق – لابد ان تُدعى لتتحمل مسؤوليتها مع الدولة فى اخراج البلاد من ازمتها . وبعبارة اخرى هذه الاحزاب هى الاطراف الاساسية لأى حوار وطنى . وفىى اعتقادنا ان اجتماع هذه الاحزاب وطرح القضايا الاساسية ، سيحملها أمام الشعب والتاريخ مسؤولية إخراج البلاد منالأزمة . ونحن نطلب قيام رئيس الدولة باتخاذ هذه المبادرة والبقية ستتحملها الاحزاب المعنية .
** قلت له : بعض المراقبين يفسر موقفكم هذا بالاتجاه نحو المعارضة فى الوقت الذى يقول فيه البعض الآخر ان الحكومة الجديدة حكومة تعداد سيفى تضم فيما تضم عدداً كبيراً من كوادر وجبهة التحرير ، فكيف نفسر ذلك ؟
** اطلاق صفة المعارضة على جبهة التحرير هو تحليل غير سليم اننا نتعامل مع السلطة ونعطى الحلول الحقيقية لاخراج البلاد من الأزمة . ولو وجدت على الساحة حلول أخرى قادرة على اخراج البلاد من ازمتها لصمتنا تماماً ولم نتحدث ، لكننا رأينا أن الأوضاع وصلت الى حد من التعفن والخطورة بحيث تتطلب تدخلنا لاخراج البلاد من ازمتها والعودة الى اوضاع ما قبل الازمة .
تحمل المسؤولية
** قلت له : كنتم وما زلتم تطالبون باشراك "الانقاذ" فى كل حوار بل والافراج عن رموزها ، فهل يعد الافراج عن اثنين من قادتها وتغيير حكومة رضا مالك ونبذ بعض دعاة الاستئصال عربوناً جيداً منالحكومة نحو الانفتاح على الآخرين ، ام ان هذا لا يكفى ؟
** هناك بعض الاجراءات الجزئية التى نرى انها لا تكفى لاحداث التغيير او وقف التدهور فى الاوضاع السياسية والامنية ، ان اوضاع البلاد فى الحقيقة تتطلب ان تعالج الامور معالجة جذرية . فإما ان تكون القناعة حصلت ومن ثم فلا مجال للتجزئة واما ان تكون القناعة لم تحصل بعد . ان الاجراءات الجزئية لا تكفى والوضع يحتاج الى جرأة أكثر لدعوة هذه القوى علناً وفو وضح النهار وأمام الشعب لتتحمل مسؤوليتها أمام الشعب وامام الرأى العام .
** قلت له : منذ فترة كان العنف يمشى فى اتجاه واحد تقريباً ، والآن نرى انه يمضى فى الطريقين حتى اننا سمعنا عن تكوين فرق للموت وارخى للشباب الجزائرى الحر ، فما تعليقكم ؟
** التجاوزات والافرازات التى تنتج عن العنف منتظرة فى كل وقت . والعنف اذا استمر سيولد اطرافاً وردود فعل كثيرة وهو ما تشهده الساحة للأسف . لقد تعددت أطراف العنف واصبحت مصادر العنف محاطة بغموض كثيف واصبح كل المواطنبن تقريباً غير آمنين لانهم لا يعرفون متى ومن اين يأتى العنف .
مجلس الأربعة
** فى محاولتكم الجادة فى السعى للحل كونتم ما اسميتموه بمجلس الاربعة "حماس والنهضة وجبهة التحرير وحزب التجمع من اجل الديمقراطية" ومع ذلك وبرغم اجتماعاتكم المتكررة لم تخرجوا بقرار واحد .. اليس من الأفضل الاجماع على قرار يدعم المسيرة ؟
** لا .. نحن لم نتفق بعد على تشكيل هيئة دائمة لاتخاذ القرار . نحن نتشاور باستمرار ونقوم ايضاً بأعمال مشتركة كالعريضة التى تقدمت بها الاحزاب الاربعة للمطالبة بالانفراج السياسى، لكن الاحزاب الاربعة لم تتفق على تكوين كتلة نحن فقط نلتقة للتشاور وكل حزب يتخذ قراره وموقفه بنفسه .
** اذن ما أقصى طموحاتكم فى هذا المجلس ؟
** طموحاتنا ان نجمع الاحزاب كلها وليست هناك كتلة مغلقة ، نحن نريد ان تصل الاحزاب التى أفرزتها الانتخابات الى نوع من التنسيق والاتفاق يمهد لاتخاذ موقف مع الدولة فى حل مشاكل البلاد .
** وهل هذه اللقاءات هى التى افرزت خطوات مثل الافراج عن بعض قادة الانقاذ والحديث من طرف السلطة عن الحوار ؟
** هناك عوامل متعددة دفعت السلطة لتغيير لغة الخطاب فى موقفها وليس عاملاً واحداً فقط لقد ساهمنا بلا شك ولكن هناك عوامل أخرى !
** وهل اتصل بكم الشيخان المفرج عنهما من جبهة الانقاذ ؟
** نعم حدث الاتصال .
** هل تناصحتم فيه وتشاورتم فى شىء محدد ؟
** انهم يتصلون بالجميع ليستمعوا منهم .
لا للملجس الانتقالى
** أصدرتم مؤخراً قراراً يرفض الانضمام الى المجلس الانتقالى للدولة ، فما مبرراتكم لذلك ؟
** ان تمديد المرحلة الانتقالية لمدة ثلاث سنوات أخرى لن يحل المشكلة : ولهذا فإن عدم اشتراكنا فى المجلس الانتقالى هو نتيجة طبيعية لعدم اشتراكنا فىالندوة الوطنية وعدم التزامنا بمقرراتها.
** ما تعليقكم فيما يصدر عن بعض قادة الاحزاب الذين تخرج من بياناتهم رائحة العنصرية بوضوح ؟
** بعض الاحزاب والشخصيات لم يأت منها جديد ، فهذه هى مواقفها حتى من قبل وقف المسار الديمقراطى ولهذا فليس فى بياناتهم واطروحاتهم ما يفاجئنا .
** وماذا عن دعاة الربيع البربرى ؟
** هذا شىء آخر ، فهناك قضايا ثقافية لابد ان تعالج بمعزل عن الازمة الحالية ، اما الخلط بينها وبين الازمة فلا يخدم الحل ولكننا نعتقد ان هناك من يريد توظيف قضايا معينة فى خدمة مواقف متصلبة تجاه الحل السلمى الذى يدعم قضية الحوار والديمقراطية .
** وماذا عن تصريحات آيت احمد الاخيرة ؟
** موقف حزب القوى الاشتراكية يمتاز بوضوحه واستمراره منذ وقف المسار الديمقراطى ؛ فهو ضد وقف المسار الديمقراطى ونلتقى معه فى هذه النقطة وموقفه الاخير الداعى للحوار المباشر مع الانقاذ لا يخرج عن هذا الاطار .
تطبيق الخط
** يرى البعض ان خطواتكم الأخيرة وموقفكم من التعددية والانقاذ والحوار وغيرها بمثابةعمليات تجميلية تجرونها للجبهة قبل العودة الى المسار الديمقراطى ، فهل هذا صحيح؟
** لا : مواقفنا لا يقصد منها تجميل الماضى . مواقفنا نابعة من مواجهةالحاضر والواقع الحاليين. لقد كان قرارنا عام 1989م هو الالتزام بنقل نظام الحكم من نظام الحزب الواحد الى التعددية الحزبية ، وقررنا ان من يحكم البلاد هو الحزب الذى يفوز بالاغلبية وانه فى حالةالانتخابات لابد ان يلتزم حزب جبهة التحرير بهذا الخط الواضح ، والآن فاننا نسير نحو تطبيق هذا الخط وليس أى شىء آخر .
** بمناسبة الاقاويل – وما اكثرها فى بلادكم – يقال ان ثمة اتصالات تمت بينكم وبين الرئيس زروال على اساس اعادة بعض ممتلكات ومقار الجبهة مقابل منحه دعماً سياسياً بطريقة ما، فهل هذا صحيح ؟
** والله لم يحدث هذا اطلاقاً ، ونحن لا نعالج قضايا البلاد بهذا المنطق .
** أخيراً .. هل انتم متفائلون أم متشائمون ، ولماذا ؟
** نحن عازمون على المضى فى تطبيق قرارات الجبهة ، اما ان أصف ذلك بالتفاؤل والتشاؤم فهذا ما لا أراه .
** يقال أيضاً انه حتى ولو اتفقت الاطراف المعنية ووصلت الى حل فيما بينها يحفظ للجزائر هويتها ، فإن اطرافاً خارجية قد تدخل للحيلولة دون ذلك ، فما تعليقكم ؟
** لا استطيع ان أؤكد ذلك ولا انفيه ولكن أقول انه برغم ان الاطراف التى تعنيها قد تتحرك لما يخدم اهتماماتها ومصالحها ، فان الامور تبقى بين الجزائريين فليس هناك من يستطيع ان يحول بينهم وبين الحلول الصحيحة .
أسرار مجموعة "وجدة" تظهر وتختفى لكنها موجودة دائماً
** فى الجزائر أسماء كبيرة تقف تارة خلف الستار ، وأخرى على المسرح السياسى ، وثالثة تختفى تماماً ، ومن أبرزها مجموعة "وجدة" .. تلك المجموعة التى تضم فيما تضم من رموز جزائرية وطنية عبد العزيز بوتفليقة ، وشريف بلقاسم ، وطاهر زبيدى ، وهى المجموعة التى صنعت سياسة الدولة فى فترة الستينيات والسبعينيات ، وهى فى النهاية خارجة من وداخلة فى عباءة جبهة التحرير ، ولكن كل حسب ميوله واجتهاده وفكره السياسى .
** ومع ذلك فهى فى البداية والنهايةأيضاً ما زالت تشكل ضغطاً سياسياً فى كل الفترات ، ولا أقول "لوبى" بالتعبير الغربى المحض .. افراد هذه المجموعة تارة يقتربوا ، واخرى يبتعدوا ، وثالثة يختفوا ، لكنهم حاضرون بشكل ما من أشكال الحضور فى كل المراحل ، ويكفى ان تعلم ان شريف بلقاسم كان هو الطرف الثالث فى كل المشاورات التى اجراها الامين زروال مع عبد العزيز بوتفليقة قبيل الاستقرار على اسم الرئيس الجزائرى الجديد .
** فى الجزائر أيضاً أسماء قوية مثل بلعيد عبد السلام ، وبلعيد هو الشخص الذى ينسب اليه الجزائريون بداية نهضتهم الصناعية فى الستينيات "فى فترة بن بيلا" ، وفى فترة الشاذلى كان من أشد المعارضين ، وفى الانتخابات الماضية خاضها بصفته "حراً وليس كعضو يمثل جبهة التحرير .. فلما جىء به لرئاسة الوزراء أراد ان يطبق سياسة اقتصادية خاصة لم تنسجم مع بقيةاركان النظام فتم ابعاده ، لكنه فى النهاية يظل أحد أساتذة رئيس الوزراء الحالى مقداد سيفى !
** انها مدرسة واحدة يختلف أشخاصها فى بعض الفروع والنقاط ، لكنهم يتناوبون على السلطة داخل نظاق هذه المدرسة الواحدة وبحراسة حكيمة من القوة الرئيسية "قوة الجيش" التى يتمنى قادتها الاصلاء اليوم الذى لا يشتغلون فيه بالسياسة . ان شرطهم الوحيد هو الحفاظ على الجزائر عربية مسملة فى إطار نظام سياسى متوازن وتلك قضية أخرى !