هى فضيحة بكل المقاييس ، وهى جريمة بكل المقاييس وهى سبة فى جبين الأمة وهى عار !.
رائحة الجثث المتعفنة ورائحة الضمائر المحترقة تملأً المكان ، وعيون الأطفال تحملق فى لوحة مكتوبة بالطين على الباخرة المعطوبة " جوبوين" تقول اللوحة " يا هوان الإنسان المسلم فى كل مكان ".
أرتدد فى أن أبدأ وقد أصبحت الكتابة كعدم الكتابة فبأسم من أكتب والجثث أمامى كتب مصفوفة والشعب لا يقرأ؟
هل أصبحت مهمتنا هى الثرثرة ؟ هل إستمرأنا الذل إلى هذه الدرجة ؟ هل بات الهوان نوعا جديدا من المخدرات التى اصابت الأمة ؟
هل نعتزل الكتابة أم نعتزل التفكير ؟
أكتب أم أصرخ فى وجه الأمة ؟
شخصان مسلمان أو ثلاثة تسببوا ويتسببون فى مأساة شعب مسلم ضاع نصفه والنصف الباقى فى الطريق طريق الضياع فليذهب الإثنان أو الثلاثة ! لا فلتحاكمهم الأمة قبل أن يرحلوا.
عفقوا لأنصار الرئيس المؤقت على مهدى ولأنصار الجنرال محمد عيديد وللباكين على سياد برى ، فحين يكون مصير شعب بأكمله فى يد ثلاثة أو أكثر فليرحل الثلاثة ومن معهم !.
سيقولون أن المشكلة أكبر من مهدى وعيديد وأن كل بلد طبيعته وحساسيته وسيقولون أنها مؤامترة خاريجة وسيقولون ـ وأخشى أن يظلوا يقولون ـ حتى أزهاق آخر نفس من الضحايا!!
أن عقل الأمة ؟ وأين مؤسساتها ؟ ولنتصارح من الآن وفى العلن : هل نحن جادون فى مسألة أن قرارنا بيدنا ؟ هل نحن جادون فى قدرة منظماتنا الإسلامية والعربية على مواجهة الإخطار خاصة إذا كنت تلك الأخطار لا علاقة لها بالغرب أو الشرق وإنما هى إسلامية محضة ؟
إذا لم تتحرك الأمة وتملك من الشجانة ما تردع به نفرا من أبنئها إختلفوا فيما بينهم فأضاعوا شعبا بأكمله فمتى تتحرك ؟ إذا كانت الأمة فى ظل النظام الدولى الجديد لا تستطيع أن تفضل شيئا لملسمى الوسنة والهرسك نظرا لحساسية القضية هناك ! وغذا كانت كذلك لا تستطيع أن تفضل شيئا للقدس والاقصى نظرا لحساسية القضية هناك ! وغذا كنت أيضا تكتفى بموقف المتفرج فى أنحاء اكثيرة من العامل نظرا لأى شئ هناك!.
فما حجتها فى الصومال والقاتل والمقتول مسلمان والدول المحيطة بالصومال دول مسلمة والمصيبة برمتها إسلامية من أولها لآخرها ؟ فمتى تتحرك الأمة ؟ ومتى يعقود عقلها ؟! وغلى متى ستظل هذه الحروب بين هذه الدول المسلمة وتلك " المسلمة " أيضا بل بين أفراد هذه الدولة المسلمة وبعضهم بعضها ؟ بل بين الإنسان المسلم ونفسه ؟ نعم أنه يقتل نفسه أنه ينتحر!.
الحوار المالح
على شاطئ الجحيم فى عدن ترسو السفن الآتية من موقع الجريمة أو الفضيحة ، وعلى الشاطئ يرقد الشباب وقد نحلت أجسادهم وأطلت عيونهم تحملق فى عورة الأمة حين تركت نفرا من أبنائها يقتلون بعضهم بعضها ويلقون بالجثث الميتة فى الشوارح وبالجثث غير المية فى أتون المعارك لتزيدها إشتعالا.
الاف من المسلمين يرقدون عرايا مهانين على شاطئ فضيحة الأمة فى عدن وعريهم هذا ليس بسبب الحرارة وإنما بسبب الفقرة وهوانهم هذا بسبب الذل وعلى الشاطئ كان الحوار المالح بطعم علقم المأساة .
على شاطئ عدن وبالتحديد فى نطقة " الحسوة " بوابة كبيرة وجنود يمنيون وسؤال عن البطاقة الصحيفة وتصريح الدخول ودخلت … دخلت النار فى عدم حيث وضعت كل ذات حمل حملها ورأيت الناس سكارى وما هو بسكارى.
نادت على أمرأة تجلس على الارض وأمامها صندوق ورقى متهالك تعرض عليها بضاعتها من أكياس اللب والحلوى الرديئة ويبد أنه كان مملوءا بدواء منظمة " أطباء بلا حدود " قبل أن يفرغ . قال بثقة شديدة أجلس ! قلت : لماذا ؟ قالت : لأنك صحفى عربى ولأننى اريد أن أتحدث للصحافة العربية … واضافت بطلاقة : لقد مللت الحديث للصحف الغربية والإذاعات وتليفزيونات العالم لكنى أرى أن حديثت معك ربما كان أكثر تأثيرا! عفوا يا أمرأة من أين جئت بهذه الطلاقة والثقافة ؟ قالت وقد أعياها البكاء : أنا " صيدلانية " حصلت على البكالوريوس فى الصيدلة وأنا شاهدة على الماساة ! قلت : لماذا خرجت : عفوا لماذا أيتي على هنا وأنت حاصلة على البكالوريوس ؟ قالت : ليس هذا فقط فأخى أيضا حاصل على بكالوريوس الطب وهو طبيب شهير فاجاته الحرب قبل أن يفكر فى الخرجو وحين تأخرنا كان لابد من الصعود إلى باخرة الموت المتجهة إلى الشواطئ اليمنية.
وحين وصلنا إلى هنا أخذوا جوازات السفر وقررت أخى أن ينضمن إلى منطقة " أطباء بلا حدود " الموجةد بيننا الآن !.
الدم يعنى الدولار
قلت لها : كيف كان الخروج ؟
قالت : جاءوا فقالوا أن سحنتى خمرية وشرايينى ووجهى مملوءان بالنضارة رغم مرور ثمانية اشهر على الحرب وهذا يعنى أن معى دولارات !
ردت شقيقتى : لن نعطيكم شيئا لأنكم مجرمون . وقبل أن تكمل كان أحدهم قد أطلق عليها خمس رصاصات لتسطق أمامى وأمام أطفالى الصغار … حيث ضربت بيدى على صدرى ظهرت سلسلة ذهبية أشتراها لى والدى بنماسبة حصولى على البكالوريوس فشدها أحدهم وتركنا ومضى ؟
فررت بأسرتى ومعى أخرى الطبيب من المكان وحيث علمنا بتحرك الباخرة إلى الخارج كان لابد من تسديد أكثر من خمسمائة دولار حيث كان سعر التذكرة مائة للكبار وخمسين للأطفال وكان ما كان وها أن أجلس أمام على الأرض وأبيع قطع الحلوى الرديئة وأكياس اللب … قلم متأثرا : عفلوا ايتها الدكتورة لم كن أدرى أن بائعة اللب حاصلة على البكالوريوس وأخت الطبيب " عثمان " قالت : لا تتعجب فعلى بعد خطوات من هذه الخيام هناك عند حزان المياه تجلس أمرأة أخرى تبيع السجائر بضاعتها الرئيسة عبارة عن خمس علب من السجائر تبيعها بالمفرد أتدرى من تكون ؟ قلت : لا! قالت : أنها زوجة دبلوماسى صومالى كبير كان يعمل فى أحدى سفاراتنا بالخارج !.
على إستحياء
ترددت فى الذهاب إليها لكن رجلا طويل القامة تميزه علامات الإنكسار وضع يده على يدى قائلا : هيا إلى " فاطمة " وفاطمة لم يعد فى عيونها دمع تسكبه فطوال أكثر من عام وهى تسكتب دمع على زوجها الذى ضاع وعلى ولدها الذى ضاع على مالها الذى ضاع ، أما بناتها فهن الآن فى جيبوتى . كان يوما حزينا ذلك اليم الذى أتى فيه الزوج الدبلوماسى لحمل أسرته معه إلى الخارج وفور دخوله لمنزله داهمه " الرجال " ـ هل هم رجال حقا ؟! أخذوا ما معه وحين أدركوا أنه شخصية دبلوماسية قتلوه خوفا من اى رد فعل ىخر قد يقوم به بعد مغادرتهم … ضاع الزوج قتلا وضاع الأبن مرضا وعنما عادت فاطمة الثكلى بعد أن شيعت ضناها كان جيرانها قد أخذوا بناتها معهم غلى جيبوتى بعد أن أعتقوا أن فاطمة قد ماتت … هى قد ماتت بالفعل لكن قلبها ينبض ويداها ترتعشان وهى تقلب الرمل الموجود على شاطى المصيبة أو الفضيحة .
أكتملت ملقة المفاجءات والمضحكات البكيات وأنا أرى أح الشباب يتقدم من الرجل الذى صحبنى إلى حيث فاطمة مؤديا التحية العسكرية كان الشاب جنديا وكان الرجل جنرالا سابقا يقول الجنرال الحاصل على الدراسات العليا فى الشئون العسكرية من عدة كليات عالمية : قبيل الحرب بأشهر قليلة كانوا قد قرروا تحويلى إلى هيئة البريد وحين أشتعلت الحرب وفى أثناء عودتى إلى منزلى أطقلوا على الرصاص فاصبت فى يدى اليمنى التى شلت الآن وفى قدمى التى تراها أمامك متورمة . يدى وقدمى لإتهمانى كثيرا بقدر ما يهمنى زوجتى التى تصارع الموت منذ أيام.
قلت للجنرال السابق : لو أتيحت لك الآن فرصة للقضاء بكل من الرئيس المؤقت على مهدى والجنرال محمد فارح عيديد فما الذى تقوله لهما ؟ قال النرال : سأقول لهما كفى ما صنعتماه بنا وسأقوال لمن يصبح فيهما رئيسا للصومال هل تعلم الآن أن كتجلس على جماجم الالاف من أبناء شعبك ؟
القصص متشابهة والرويات المبكية أكثر من أن تعد وأنا أتجول بين الخيام لأى أنهارا من الحزن والألم تنساب من فتحات الخيام فى جداول صغيرة تشق طريقها نحو شاطئ الكارثة حيث ترسو سفينة "جوب وين" التى شهدت وفاة مئات من الصوماليين فى مياه اليمن .
كل شئ هنا على الأرض النوم على الأرض والطعام والشراب والموت … والموت هنا يحول حول خيمة وطفل صغير يريد أن ألتقط له صورة والصورة هنا سوداء تماما وكفله تحمل الهم وتنهر أختها الصغرى كأنها أمها …قلت لها : أين أمك ؟ قالت : ماتت ! واين والك ؟ قالت : فى فرنسا وما بين الموت وفرنسا علاقة وما بين الشفاء وفرنسا علاقة فمنظمة " أطباء بلا حدود " جاءت من فرنسا لتنفيذ الصوماليين المسلمين وتلك قصة أخرى !.
ماء البحرى وماء شملان
ورغم تشابه المواقف والقصص والمحن التى يتعرض لها المسلمون فى كل مكان فإن ما صنعه المسلمون ببعضهم بعضا فى الصومال فاق ما فعله قابيل بأخيه هابيل ، ولعل قصة قراصنة البحر خير دليل . فعندما صعد الصوماليون إلى الباخرة بعد أن سددوا كل ما يملكونه مقابل الهرب من الحرب وبعد أن إقتربت الباخرة من الشواطئ اليمنية وعلم طاقمها أن السلطات اليمنية لا توافق على رسوم السفينة فى ميناء المكلا وأن عليهم المحاولة فى عدن ، أتجهت الباخرة إلى هناك وما بين " الملكا " و " عدن" شهدت الباخرة واحدة من أسواء الماسى الإنسانية فى العصر الحديث فقد ظهر القراصنة فجأة من بين صفوف الركاب واشهروا سكاكينهم فى وجوه أخوانهم فأما الدفع وإما القتل والقاء الجثة فى البحر كما ظهر قراصنة صغار من طاقم الباخرة نفسها ومعنعوا مياه الشرب عن الركاب رغم وجودها وعلى كل من ريد أن يشرف أن يدفع مائة دولار فى زجاجة المياه الواحدة " شملان " والدفع بالدولار ناتج من قناعة القراصنة أن معظم الركاب لديهم دولارات وإلا لما إستطاعوا أن يدفعوا ثمن التذاكر.
يقول " عثمان " مساعد الدكتور عيسى الذى أنضم الآن لمنظمة "أطباء بلا حدود " وكانا معا على الباخرة : لن أنسى تلك الِأم التى دفعت كل ما معه للقراصنة الكبار وحيث شعرت إبنتها الصغيرة بالعطس ذهبت للقراصنة الصغار وأخبرتهم بأنها دفعت كل ما لديها لكبارهم ورفض القراصنة بالطبع.
إزداد بكاء الطفلة وإزداد بكاء الأم لا أمل ولا ماء سوى ماء البحر والطفلة صغيرة ومريضة وشربة واحدة من ماء البحر كافية لموتها أن الكبار أنفسهم بدأوا يموتون بسبب الشرب من مياه البحر وها هى الجثث تلقى ما بين لحظة وأخرى فقد أمتداد الرحلة إلى 15 يوما بدلا من يومين فقط المسافة بين " المكلا " و " عدن " إستغرقت وحدها يمين كاملين … عادت الأم لترجوا القراصنة وهم يدفعونها بكعوب السكاكين راحت تنظر للركاب المساكين صحيح أن بعضهم مازال لديه شئ من الدولارات لكن أخرى دولار واحد يعنى الموت ! نهضت أمرا أخرى وتظاهرت بأنها تردي حمل الطفلة المريضة حتى ترتاح أمها من كثرة الوقوف واللهث وراء القراصنة والقت على صدر الفتاة الصغيرة بورقة من فئة الخمسين دولار أخذتها الأم كما تأخذ طوق النجاة وذهبت لفرقة القراصنة وهى تطلب نصف زوجاجة من الماء أو شربه ماء ةواحدة فالطفلة تموت بين يدى صديقتها … قال أحد القراصنة : من أين أتين بالخمسين دولار ؟ قالت : أرجوك أعطنى الماء أولا فإبنتى تموت قال له وستموتين أنت أيضا غذا لم تخبرينى بمصدر الدولارات ! قالت الأم أقتلنى ودع إبنتى تعيض … خذ روحى قال لها : وماذا أصنع بروحك جذبها من شعرها ومر بها على الجالسين فإما أن تشير بيده لصدر الدولارات وأما أن يلقى بها فى البحر.
تصرخ الأم وتصرخ الطفلة الصغيرة التى وضعتها صديقة الأم على الأرض خشية أن يعرض القرصان أنها هى التى دفعت للأم فجأ سكت صوت الطفلة وقال شيخ عجوز : لا حول ولا قوة غلا بالله … ماتت الكفلة كان منظر الكفلة المسجاة على الأرض ودموع العجوز الصومالى وهو يغمض عينيها كافيا لأن يتخلى القرصان القذر عن الأم المظلومة لكنه لم يتركها إلا بعد أن تأكد تماما أن الأم قد جنت خاصة بعد أن بدأت تهذى بكلمات غير مفهومة !.
أما بعد
هل نمكمل القصص ؟ وهل كتب علينا نحن معشر الصحفيين العاملين فى هذه الجريدة أن نتحول إلى ما يشبه مخرجى السينما والتليفزيون ؟ هل كتب علينا أن نطوق العالم ونعود محملين بهذه القصص المتشابهة والمتكررة ؟ هذه الأسئلة وغيرها لا نوجهها لكم معشر القراءة وإنما نوججها لولاة الأمر والمسئوليين فى جامعة الولة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامى أما الأمم المتحدة ومجلس الأمن فمهما يكن من أمر فلن نطالبهما بأن يكونا أكثر رحمة على أخواننا منا ولن نطالب أيهما بالإسراع فى إرسال خمسمائة جندى لحفظ السلام فى الصومال أو حتى خمسمائة ألف وسواء أرسلت الأمم المتحدة أم لم ترسل وسواء تحركت أم لم تتحرك فستظل قضية الصومال شاهدا على عصر النفاق الدولى والسلبية الإسلامية .
سيقول البعض أنهم متخلفون وأنهم دمويين أولئك الذين إستباحوا دماء بعضهم بعضاً.
ولكن ما ذنب الأطفال الصغار والأمهات الثكالى والعجائز اللائى أبيضت شعورهن فصرن عجائم وما هن كذلك ؟ وما ذنب المزارعين الذين لم تكن لهم قضية سوى فلاحة الأرض؟ وما ذنب الصناع الصغار الذين لم تكن لهم قضية سوى أعمار المدن ؟ ما ذهبن الشعب الصومالى العربى المسلم هل وصل بكم الإشمئزاز من أخوانكم إلى هذا الحد ؟ إذا كانت الصومال اليوم فهى غدا جيبتونى وهى بعد غد دولة عربية أخرى والحملة مستمرة حملة قتل الإنسان المسلم سواء بيده أو بيده الآخرين حملة الهاء الشعب المسلم بكوارثه فى الصومال والهندس والبوسنة والهرسك وبالمناسبة فقد حيرنى ذلك المقال الذى نقل فيه الكتاب الصحفى المصرى أحمد بهجت تصريحات للسفير المصرى السابق قاسم المصرى والتى قال له فيها : لماذا يهمت العالم بالبوسنة والهرسك : ولا يهتم بالصومال ؟ تعجيب من السؤال رغم موضوعيته فى جوانب كثيرة وعدم موضوعويته فى جوانب أخرى ذلك أن إهتمام العالم بالبوسنة والهرسك نتج عنه مزيد من الضحايا والكوارث أما أهمالهم للصومال فقد نتج عنه أيضا مزيد من الضحايا والكوارث .
وهكذا فالنتيجة واحدة وما لم نهتم نحن بأنفسنا فلن يهتم بنا أحد … ما لم تكن لنا أرادتنا فلن يمنحنا أيها أحد ما لم تكن لنا منظماتنا وهيئاتنا وكلمتنا فلن يكون لنا مكان على خريطة المجتمع الدولى الجديد فهل نعى ذلك ؟ وهل ندرك خطورته ؟
سيقولون لك أن الجامعة العربية والمنظمة الإسلامية أدانتا وشجبتا وإستنكرتنا فهلا اقلعنا عن عادة الإدانة والشجب والإستنكار خاصة غذا كان الأمر يعنينا نحن فى الصميم ولا يعنى أناسا غيرنا ؟ أن أدانة أعمال العنف فى جنوب أفريقيا أو فى نيكاراجوا وشجب مقتل أى زعيم أمر لا بأس به لكن الإدانة والشجب والإستنكار لا تكفى ونحن نرى الأخ المسلم يقتل أخاه المسلم وثالثهما يتفرج أو يدين ويجشب ويستنكر … سيان!.
ختام أم بداية ؟
قبيل مغادرتى جدة إلى عدن وصلتنى رسالة من شاب جامعى سبق له أن عرض علينا فى اسرة التحرير أن يراسلنا من قلب الأحداث فى مقديشو
أرسلنا للشاب الصومالى خاطبا بالموافقة فبادر بإرسال مضوع واحد نشرناه له ثم أختفى !.
كانت رسالة بعد لله المبارك تقول : اضطررت للهرب بأسرتى الفقيرة إلى خارج البلاد فإذا وصلتكم هذه الرسالة فإنتظرو منى رسالة أخرى ربما من كينيا وربما من اليمن … فى معسكر اللاجئين بمنطقة " الحسوة " والتى تبعد عن مدينة عدن بحوالة عشرين كيلو مترا ألتقيت بصوماليين جامعيين … سألتهم عن عبد الله المباكر بأعتباره كان زميلا لهم فقال لى أحدهم : لقد غادر المعكسر نظرا لأن له قريب فى عدن … جاء إلى هنا وإستلمه من إدارة المعسكر وغذا أردت أن تقابله فإذهب إلى مكتبه "م" بعدم وإذا وجدت حمالا يقوم بإفراغ وتحميل السيارات الواقفة أمام المكتبة فأعلم أن هذا الحمال هو عبد الله المبارك وبكيت.
أطباء بلا حدود له أهاجمكم لأننى مسلم عاجز !
فى مقدمة كل معسكر من معسكرات اللاجئين الصوماليين فى عدن يرتفع علم منظمة " أطباء لا حدود " واعترف الآن بأن أى هجوز قمت به فى يوم من الأيام على هذه المنظمة وأهدافها هو عهجوم العجز … والعاجز لا يصح له أن يهاجم.
بعيدا عن أهداف المنظمة التى سأتركها لغيره من أولئك الذين يجيدون فن الإدانة والشجب والتحذير أتحدث عن أعمال هذه النمظمة التى يشارك فيها أطباء عرب ومسلمون لا يهمهم سوى الأنقاذ والمساعدة تاركين مسألة الشبهة والأهداف المشبوهة لغيرهم من المتفرجين فى خيمة المنظمة جلست مع الطبيب المصرى المسلم " جمال عبد الجواد " قال لى : لا استطيع أن أتحدث معك إلا عن الدواء والأمراض والتطعيمات وحالات الوفاة.
أما الحديث عن أهداف المنظمة ودور المنظمات الإسلامية الأخرى التى لم تصل بعد إلى هنا فأتركه لك !.
ووافقت ؟ فالرجل متسق مع نفسه ، وطوال أيام عمله هنا والتى أمتدت إلى شهور لم ينطبق لكلمة واحدة عن المنظمة وعند أهدافها وعن أى شئ آخر سوى العمل … والعمل وحده وهذا الذى لم يقله الطبيب المصرى المسلم كاف لإقتناع الآخرين !.
قال الطبيب المسلم العامل فى منظمة " أطباء بلا حدود " حصلت على دبلوم فى أرماض المناطق الحارة وأعمل الآن ومنذ شهر مايو الماضى فى المنظمة ومع بداية الكارثة.
للمنظمة ثلاث فرق مهمتها إستقبال اللاجئين فور وصولهم إلى الميناء … نقابلهم بتطعيمهم ضد الحصبة أول الأن منظمة الصحة العالمي تعتبر هذا المرض أكثر الأمراض المسببة لوفاة الأطفال " والحمد لله " نجحفا فى منع الأصابة بهذا المرض.
بعد ذلك نبدأ فى علاجهم من آثار الشرب من مياه البحر والتى تؤد إلى زيادة التحميل على خلايا الجسم ثم نبدأ فى علاج الملاريا والأمراضى المعدية الأخرى مثل الكوليرا والإلتهاب السحائى.
ثم نبدا فى التطعيم ضد مرض التينانوس خاصة للأمهات الحوامل … " الحمد لله " نجحنا فى منع تسلسل مرض الكوليرا والإلتهاب السحائى أما الملاريا فهى منتشرة هنا بشكل واضح ومن حسن حظ المرضى أن نوع الملاريا الموجود لا يقاوم الدواء الذى نعطيه لهم.
الحمد لله كنا موجودين فى أثناء وصول اباخرة " الكارثة " ونجحنا فى إنقاذ الكثيرين … منا أربعة أطباء وكنا نشاهد الجثث وهى تطفو على السطح !
أخطر ما يواجهه اللاجئون هنا هو ما نسميه بالإهانة البيئية … قلم له : وما الذى تحتاجه المنظمة ؟ قال : كل ما نحتاجه نطلبه من رئاسة المنظمة قبل أن تنتهتى الكميات أننا لا ننتظر حتى نطلب .
قلت : وما رأسك فى أداء المنظمات العربية والإسلامية ؟ قال : لن أسمح لنفسى بالتحدث فى هذا الموضوع فهذا متروك لكم أن كل ما أملكه هو " شوية علم صغيرين" جئن أسهم بم من خلال هذه المنظمة ! فى أوقات الفراغ ـ إذا وجدت وهذا نادر جدا ـ نجرى دراسات عملية على الاربعة الاف لاجئ الموجودين فى هذا المعسكر.
- هل مرت عليكم بعض المنظمات الإنسانية الأخرى ؟
نعم زارنا مندوبون من هيئات المانية وبلجيكية وهولندية .
- والهيئات العربية ؟
زارنا وفد نقابة الأطباء المصريين وقد سعدت كثيرا لوجودهم .
- الإسم : على الحديدى " فلسطينى الاصل"
نقم الآن بتوزيع صندوق واحد على كل أسرتين الصندوق يتكون من " موقد كيروسين " وحلة كبيرة ومجموعة أطباق ومجموعة من الملاعق والسكاكين.
كنا نقدم فى السابق أكلات جاهزة لكننا الآن نريد منهم أن يعتمدوا على أنفسهم لذلك سنوزع عليكم كميات من الخضروات والأغذية ليقوموا هم بالطهو وأعداد الطعام بدلا من الوقوف فى طوابير مذلة للحصول على طبق من الأزرق أو الفاصوليا!.
النقيب اليمنى أبو بكر :
التحقيق مستمر مع قراصنة البحر
- أصعب وأعقد المشاكل التى نواجهها هنا هى مجئ بعض اللاجئين بحمى الخلاف القبلى فهذا يتبع فلانا وذاك يتبع شخصا آخر .
- الظروف المأساوية التى عاشو فيها قبل أن يأتوا إلى هنا صعبت من مهمتنا لكننا نحاول من خلال بعض اللجان التى شكلناها مؤخرا أن نعالج ما يمكن علاجه.
- ظهرت بعض حالات السرقة داخل المعكسر كما ظهرت بعض الجرائم غير الأخلاقية لكننا نراعى فى أثناء التحقيق الظروف المأساوية التى تدفع البعض لذلك.
- حرارة الجو هنا تجعلنا لا نجبرهم على النوم مبكر وفى نفس الوقت فإن هؤلاء الشباب فى سن السابعة عشرة مساكن وأنت تفهم الباقى !!.
- قراصنة البحر معظمهم من الصوماليين وقد تم القاء القبض عليهم وهم الآن فى السجن على ذمة التحقيق وعددهم "41" قرصانا.
- صاحب الباخرة التى شهدت المأساة صومالى من أصل يمنى اسمه " الحاج محمد الحاج أنور .