- قلت للرئيس منجستو وهو يتحدث معى عن المساواة ورفع الظلم كن فئتى الشعب الأبرز، وعن ملايين المسلمين والمساجد المكتظة ، وملايين المسيحيين والكنائس الكثيرة ، لماذا أنتم شيوعيون ؟!.
_ قال الرئيس : الذين رأيتهم فى المساجد والذين رأيتهم فى الكنائس هم أثيوبيا الجديدة .. المجتمع الأثيوبى يمر الآن بمرحلة انتقالية وكلنا يعمل من أجل (الرخاء)، كلنا يعمل لرفع أثيوبيا من حضيض التخلف .. كلنا يعمل من أجل المساواة .. عندنا مسلمون وعندنا مسيحيون ، وهناك من أفراد الشعب من هو شيوعى وكل ذلك راجع للضمير والروح ، ولا ينبغى أن نسمح لأحد أن يعرقل تفكير وضمير أبناء الشعب ، إننا نمر بمرحلة ديمقراطية والحكومة الآن فى مرحلة الثورة الديمقراطية ونحن حريصون كل الحرص على حرية العقيدة ..
أما عن المسائل الاقتصادية فعندنا قطاع عام وقطاع خاص وملكية فردية .. القطاع العام مازال يحبو والقطاع الخاص فى توسع ، ووضعنا الحقيقى هو هكذا بصورته الكاملة .. لكن البعض يحلو له أن يقول : " أثيوبيا الشيوعية " ، إن بيننا شيوعيين ، وفى بلاد المسلمين وفى منازلهم شيوعيون ، ونحن لا نفتش البيوت لنعرفهم !!، ليس عندنا مجتمع شيوعى وليس عندنا حزب شيوعى!.
* مرة أخرى، ما موضع مصطلح " شيوعية" فى بلاد بها مسلمون متمسكون بدينهم ، عفوا سيادة الرئيس ، لماذا أنتم شيوعيون ؟
- نحن كما قلت نسير نحو الديمقراطية .. وهدفنا لم يتعارض مع الأديان .. لم نأت لنعارض أو نلغى الأديان .. ربما يوجد بيننا شيوكيرن ، لكن كنظام ومجتمع أقولها صراحة لا.. أنا خادم للمجتمع بفئتيه المسلمة والمسيحية ولن يكون أكثر من هذا.
* لماذا نلاحظ قلة عدد الوزراء المسلمين فى حكومتكم ؟!
- ونحن أيضا نلاحظ ! إن فى أثيوبيا أكثر من 90قومية .. وبصراحة أقولها لكم إن حكومتنا لا تفرق فى اختيارها بين فرد وآخر.. إن مقاييس الاختيار عندنا بعيدة عن الدين .. وإنما تدور حول القدرة والكفاءة ورغبة الفرد نفسه فى التطور..
ثم لابد أن تعرف شيئا مهما جدا وهو أن الوزير عندنا ليس هو كل شىء.. وعندنا هيئة
الدولة وهيئة مجلس الوزراء، وعضوية البرلمان ، والمجلس الوطنى، وقيادات الجيش والشرطة والأقاليم الإدارية ، وإذا ألقيت نظرة على كل هؤلاء لأدركت أن القول بقلة عدد الوزراء المسلمين فى الحكومة قول مضحك .
فى الماضى أتيح لدين واحد التمتع بامتياز خاص ، بينما اعتبرت الأديان الأخرى غريبة .. ولقد وضعنا حدا لهذا الظلم .
* هل ينطبق ذلك على هيئات الإغاثة الإسلامية الراغبة فى بناء مدارس ومستشفيات
ومساجد؟
* من أهدافنا التى قمنا من أجلها ألا نركز أو نفرق بين الأديان . إننا جئنا للمساواة وليس ذلك مجرد شعار لكننا نطبق ذلك تماماً … قبل كل شئ … إن الضمان للجميع هو ضمان الدستور الذى وافق وصادق عليه جميع أفراد الشعب … هذا ضماننا فى المساواة … وعندما نقول ذلك فأنا أعنيه تماما، فليست لى ميول لدين معين .. الكل عندى حسب عمله وحسب إنتاجه فى العمل والأداء.
إن هناك من يحاربنا ويشيع عنا الكثير فى الداخل والخارج ، ونحن ندفع الثمن غاليا فى
هذه المعاناة ولتدركوا ذلك جيدا.. إن المحاولة الانقلابية التى جرت أخيرا كانت لإفشال كل ذلك .. إفشال المساواة وإفشال السلام والعودة بوجه العنصرية القبيح .. اعلموا ذلك جيدا واعلموا أن بناء المساجد مستمر بجوار الكنائس ، وإذا كانت المستشفيات والمدارس ستبنى عار أساس التفرقة فى المعاملة فهذا شىء خطير.. قل للجميع إذا أردتم أن تختاروا صداقة الشعب الأثيوبى جاركم التاريخى، فتعالوا للمساهمة فى تنميته دون تفرقة بين الأديان مثلما عملنا.
* مازال البعض يتحدث عن قانون الأسرة والزواج ومخالفة بعض فقراته للشريعة الإسلامية ؟
- أقول لكم بصراحة ليس هناك أى تناقض بين الشريعة الإسلامية والدستور الأثيوبى،
ولتسمح لى أن أشرح لكم ذلك .
هذه المشكلة عندما طرحناها جلس جميع الأطراف لمناقشتها انطلاقا من مساواة الأديان
وحق الجميع .. كانت حرية المرأة هى سبب احتدام النقاش .. فعندما بدأ الحديث عن تعدد الزوجات تحمس له البعض وغضب البعض الآخر.. وفى هذا أقول : إن الدين الإسلامى على ما أعتقد عندما سمح بالتعدد سمح لظروف معينة ولم يسمح لمجرد المتعة .. إذأ الظروف هى التى تحكم .. وهنا نلاحظ ونسأل الراغب فى التعدد، هل يمتلك ما لايستطيع أن ينفق به عليهما _ أى على الزوجتين أو الثلاث _ واستمر الحوار الصريح ، واعترضت جميع النسوة المسلمات منهن والمسيحيات ، إضافة إلى رجال من الطرفين ، ومع أن فئة المنادين بالتعدد كانت قليلة ، إلا أن آراءهم ومعارضتهم للمنع كانت على أسس ، وكانت المفاجأة أن فئة من المسيحيين عارضت منع تعدد الزوجات .. بل إن بعض السيدات وقفن ليقلن إذا سمحتم للرجال بالتعدد فاسمحوا لنا كذلك ، ولأننا كما ذكرت فى مرحلة انتقالية ، اتفقنا على تقنين المسألة حسب ما رأى المسلمون ، بحيث يسمح بالتعدد إذا كان يرضى جميع الأطراف ، ثم لا تنس أن مثل هذه المناقشة جرت فى مصر.
* ماذا عن الانفتاح على العرب الشعب المجاور لكم ؟
- أى مراقب يستطيع أن يحكم بضميره على علاقتنا بالعرب .. من المؤسف أن نسمع ´أن الشعب الأثيوبى له موقف معاد لأى شعب عربى.. نحن أبدا ليست لنا رؤية مريضة فى علاقتنا بالعرب .
بصريح العبارة أقول لك عندنا أشقاء وأصدقاء من الزعماء العرب أكن لهم كل حب
وتقدير ولى عتاب عليهم .. أعتقد لو رجعنا إل الوراء ونظرنا إلى مسائل العرق والدم واللحم لوجدنا أن الشعب الأثيوبى هو أقرب الشعوب إلى العرب .. إننا جسرهم نحو إفريقيا، وما يربطنا ببعضنا البعض يجعلنا نقول " إننا إخوة " .
لو عدنا إلى الوراء عندما بزغ فجر الإسلام فى مكة لوجدنا أن النبى محمد عليه الصلاة
والسلام أرسل أكوانه المهاجرين الأوائل لأثيوبيا.. لماذا؟!.
حتى يقوم الإسلام على قدميه فى أثيوبيا قبل أن ينطلق .. إن أثيوبيا فى الواقع كانت هى
قاعدة العرب .. كانت ترسهم وسلاحهم إذا تعرضوا للاستعمار والمعاناة والاضطهاد.
بصراحة اسمحوا لى أن أسأل : كيف توسعت هذه المشاعر الفياضة ، وكيف استمرت ؟ هل بينبت من الجانب الأثيوبى أم من الجانب العربى.. إنه سؤال يستحق المناقشة لنسأله جميعا لبعضنا .
أقول بصراحة إننا كنا ومازلنا حريصين ، لكن آخرين اصطادوا فى الماء الذى لم يتعكر أبدا، ونجحوا فى الإساءة إل علاقتنا العربية .
* من هم ؟
- الانفصاليون ! على امتداد العشرين عاما الأخيرة .. إننا نناضل من أجل علاقات وطيدة مع جيراننا العرب .. لكن للأسف أجدنى مضطرا لأن أقول إن السودان والصومال لعبا (إل جانب الانفصاليين )، دورا أساسيا فى تدهور العلاقات العربية مقابل تحقيق مآرب شخصية ومساندات عربية وتوسعات إقليمية .. ولا ننسى أن العهد البائد رفع شعار فرق تسد.. وهكذا دفعت شعوبنا الثمن رغم أنها ليست هى المذنبة .
ينبغى للعرب بصراحة أن ينظروا لنا نظرة جدية ، إن حكومتنا تعمل ما فى وسعها لإزالة الجفوة المصطنعة بيننا وبين العرب وننتظر تحرككم ..
إن علاقتنا بالمملكة العربية السعودية آخذة فى التطور.. إنها علاقة قديمة وعريقة ، وأثيوبيا الحديثة تريد علاقة أقوى.. لقد ربطت الطبيعة وربط التاريخ بيننا، فلنتعاون ولنبتعد عن أسباب الفرقة والخلاف ، وبهذه المناسبة لقد وصل سفيرنا الجديد إل الريانى
وبدأت طائرات الخطوط السعودية رحلاتها إلينا، وفى هذه المناسبة كذلك فقد أعدنا علاقتنا بتونس ونستعد حاليا لعلاقات مع دول عربية أخرى.
* هل تتوقعون نجاحا سريعا وقبولا عربيا وإسلاميا لمبادرتكم الأخيرة بشأن منح أرتريا حكما ذاتيا خاصا؟!
قبل الإجابة على سؤالك ينبغى أن أشير إل تاريخ أرتريا، وهو بالتأكيد ليس غريبا عليكم .. إن جرائدكم توزع بكثرة فى الشرق الأوسط ، ولعلها تكون فرصة لتوضيح وجهة نظرنا.. إن مشكلة أرتريا من خلق الاستعمار. فقبل 60كاما ما كان هنا إقليم يدعى باسم
أرتريا، وليست هى المصادفة التاريخية التى لم تجعل الشعب الأثيوبى يوجه سلاحه للشعب الأرترى.. التاريخ الأثيوبى انبثق من أرتريا، وقبل مائة سنة انتقلت العواصم الأثيوبية من الشمال إل الجنوب حسب سير المعارك الحربية ضد العدو، وهذا مرتبط أيضا بفتح قناة السويس ورغبة الاستعمار فى السيطرة على إفريقيا.. ولسوء الحظ أصبحت أرتريا فى مواجهة مباشرة مع العدو، فتعرضت للضرب الشديد.. لم تكن أرتريا هى الوحيدة التى تعرضت للضرب ، لكنها كانت أول من تعرض له .. ومثلما كانت أرتريا مدخلا للعدو كبانت مخرجا له ، الأمر الذى انعكس على نفسية سكانها.. قبل ذلك لم تكن هناك منطقة منفصلة عن أثيوبيا ولا شعب منفصل عن شعب أثيوبيا.
إن موقع أرتريا على الخريطة باعتبارها حلقة الوصل بين إفريقيا وآسيا وأوروبا جعلها
مطمعا للجميع ، من هنا توسعت المشكلة وتفاقمت وجاء الجيل الجديد ليستلم المشكلة بهذه الصورة الحالية .
نعود للحديث عن مبادرتى الخاصة بمنح سكان المنخفضات فى أرتريا حكما ذاتيا خاصا، وأقول إن هدفها هو السلام ، ولأنه هدف نبيل فإننى أتوقع لها نتائج إيجابية ، لكن سرعتها وبطأها مرتبطان بالظروف العالمية .. وفى رأيى أن عملية الحكم الذاتى ستتم بصورة طيبة لأن رغبة الطرفين تتوجه الآن نحو السلام .
إن شعب المنخفضات الأرترية تعرض للظلم والقهر، وانطلاقا من هذا قام ممثلو هذا الشعب بمبادرة السلام فقمت بمبادرة الحكم الذاتى، وحتى أكون صريحا.. فإن فقدان السلام فى المنطقة هو الذى حال دون تطبيق الحكم الذاتى.. ولاشك أن تحرك سكان المنخفضات السلمرم سوف ندعمه جميعا.
* هناك أقاويل تتحدث عن ممارسات لا إنسانية ترتكبها سلطاتكم فى أرتريا، فما مدى
صحة هذه الأقاويل ؟
- قبل الإجابة أود أن أوضح لك بعض الأشياء بمنتهى الأمانة .. إننى شخصيا فى معاملتى لا أفرق بين مسلم ومسيحى، وفى داخل أثيوبيا لا ننكر أن هناك تناقضات مارسها الحكم البائد، وقد يكون البعض قد ورثها ولكن ليس بهذا القدر من المبالغة .. سأسوق لكم مثالا بسيطا.. لقد عاش شعبنا منذ آلاف السنين محافظا على استقلاله وسيادته . ولم يتأت له ذلك إلا بتضامن المسلمين مع المسيحيين .. ليس فى التاريخ الأثيوبى انتصار مسيحى أو انتصار إسلامى، وإنما هناك وحدة بين المسلمين والمسيحيين انتصوت فى بلادنا على العدو.. لا حدود فى بلادنا لمناطق إسلامية ومناطق مسيحية ، الكل متداخل ، على عكس ما كان فى نظام هيلاسلاسى
الذى كان يستغل الفرقة ونصرة جانب على آخر فى تطويل عمره فى الحكم .. لقد آن الأوان لأن نرفع الظلم ولا ندع دينا واحدا يسيطر على جميع الأديان ، أعود لما يحدث هناك فى أرتريا. لقد عمد الإرهابيون إل تقليد النظام البائد.. إن معظم المناطق إسلامية وبينهم مسيحيون ، لكن المناطق الإسلامية هى التى تعرضت وتتعرض للضرب الاضطهاد.
إن الانفصاليين تفضحهم أعمالهم ، وهناك حركتان تتزعمان العمل فى المنطقة .. هناك
الجبهة الشعبية وهناك سكان المنخفضات .. لقد بدأت الحركة الانفصالية من داخل المنخفضات بسبب ضغوط شديدة وبسبب شعار فرق تسد الذى رفعه الحكام السابقون لأثيوبيا، وبسبب اختلاف الأحوال والظروف فى المنخفضات عنها فى المرتفعات .. لقد بدأت الحركة فى المنخفضات ، وعندما قمنا بالثورة جئنا لرفع الظلم عن الجميع ، وكان من نتيجة ذلك أن غضبت فئات كثيرة كانت مستفيدة من هذا الظلم ، منهم جنرالات فى الجيش ، وأعضاء فى الحكم ، وتجار مستغلون ، وضباط بوليس ، كل هؤلاء انضموا للجبهة الشعبية ، لمحاولة الاستمرار فى اضطهاد شعب المنخفضات . وهكذا فإن منطقة المعارك والاضطهاد هى منطقة المنخفضات . لقد كانت هذه المناطق مراعى خضراء جميلة وتحولت إلى مسرح للمعارك وقاعدة للجبهة الشعبية . إن هؤلاء الانفصاليين مستمرون فى نهب الثروات وإفساد العادات والتقاليد، ولقد قاموا بالفعل _ نتيجة لقلة عدد أفرادهم _ بإجبار الفتيات والشباب على دخول معسكراتهم .
إن المعركة الدائرة تقوم بين قواتنا وبين الجبهة ، وفى نفس الوقت بين سكان لمنخفضات وبين الجبهة .. دعنى أكون صريحا. إن شعب المنخفضات ذا الأغلبية المسلمة مستعمر من بقايا التعصب والعهد البائد، وإذا لم نساعد هذا الشعب فإنه
سيزول .. دعنى أكون أكثر صراحة : من أين يأتى الانفصاليون بالجبهة الشعبية بسلاحهم ؟! إنهم يمضون إليكم فى الدول الإسلامية الأخرى وأيديهم ملطخة بدماء المسلمين ويطلبون منكم أموالا، إننى مندهش تماما لأنكم تمدونهم بالأموال لقتل المسلمين .. إن المسلمين يقتلون بمال المسلمين ، بمال عربى..
وسوف أشير إلى مسألة أخرى، وهى أن هؤلاء الإرهابيين عندما يذهبون إلى أوروبا وإل ى الغرب يقولون لهم اعطونا أموالا لأننا نحارب لكم النظام الماركسى فى أثيوبيا سعيا للعودة بالنظام المسيحى المتعصب .
إننى بأمانة ودون استجداء لأحد أقول إننا لا نمارس أى لون من ألوان الاضطهاد ضد جنس معين ، فلقد رفعنا شعار المساواة ، ولتذهب بنفسك لترى ما يجرى داخل المنخفضات الأرترية .. ليس هناك ثروة معدنية نخاف عليها، لكن قواتنا تحارب لإنقاذ شعب وإنقاذ أرواح ، وإنقاذ هوية وعادات وتقاليد المنخفضات الأرترية ، إن قوات الجبهة الشعبية عندما تطلق نيرانها نرد عليها بنيران مماثلة ، والضحايا هم سكان المنخفضات الذين تحولت أرضهم إلى مسرح للمعارك .
* هل يعنى منح سكان المنخفضات فى أرتريا حكما ذاتيا إعطاء المجموعات الأخرى
مماثلا؟!
- فى أرتريا قوميات أو أكثر، ولكن هذه القوميات تعيش فى مناطق متباعدة ، لكن أكثر من نصف هذه القوميات يوجد فى مناطق المنخفضات . كما أن القوميات الأرترية ليست موجودة داخل أرتريا فحسب ، وإنما تمتد إل عمق البلاد.. انطلاقا من البرامج التى نسير عليها لرفع مستوى هذه القوميات ، قدمنا مسألة اللغة والعادات والتقاليد ومستوى النمو والمساحة وغيرها.. ولقد أتيح لقومية من هذه القوميات أن تسيطر وأن تستبيح غيرها، من هنا ركزنا جهدنا على سكان المنخفضات حتى يتساووا مع بقية القوميات ، لقد آن الأوان لئلاء أن يتحرروا من عوامل الاضطهاد والضعف والظلم الذى تعرضوا ويتعرضون له .
إن هذا الشعب يتعرض حاليا للتشريد واللجوء، ولم يكن أمامه سوى السعى نحو السلام .. وهاهو يتحرك نحو الدول العربية بالذات لدعمه .. ولعل توجهه نحو العرب نابع من أن معظم من تشردوا منه يعيشون الآن فى الدول العربية .
وحتى أكون صريحا معكم أقول إن من ألحق الضرر بشعب المنخفضات المسلم هم من يتلقون الدعم من الدول الإسلامية وليتأكد العرب والمسلمون من ذلك ..
إننا نأمل أملا كبيرا فى مساندة إخواننا فى الدول العربية لمبادرتنا السلمية .
- كزعيم إفريقى بارز ما وجهة نظركم فى فكرة المؤتمر الدول للسلام فى الشرق الأوسط ؟!
- نحن أقرب بلد إلى الشرق الأوسط وما يحدث هناك نتأثر به .. الأحوال مشجعة ، لكن أوضاع لبنان تزعجنا كثيرا.. فى عهدنا جرت حروب ساخنة لم تجلب حلولا للمشكلة .. الحلول الملائمة لابد أن توجد حول المائدة المستديرة .. نحن مع مثل هذه الحلول .. إننا نعتبر المؤتمر الدول الذى يجمع جميع الأطراف دون تفريق وعلى مستوى واحد خطوة جيدة نؤيدها تماما..
إن الخلافات العربية _ العربية ، وخلاف الشرق والغرب ، وخلاف الفلسطينيين فيما بينهم ، أدت إلى غياب السلام ، وبالتالى صعوبة انعقاد المؤتمر الدول للسلام ، لكن متغيرات جديدة طرأت تجعلنا نؤيد فكرة المؤتمر الدول للسلام .
* ماذا عن اشتراك الطيارين الأثيوبيين فى الحرب الجارية فى أفغانستان ، وهل صحيح أن علاقات قوية وخفية تربطكم بإسرائيل ؟!
- أنا لا أفهم كيف يقال مثل هذا، أثيوبيا لا تتعرض للبندقية فحسب ، وإنما للإشاعات المسمومة أيضا بهدف إلحاق الأذى وخلق مزيد من الأعداء لأثيوبيا.. هذه الأقوال هى محصلة هذه المساعى.. لكننى أقول إنه عندما حررت كابل .. الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية - خاصة ونحن فى الشتاء _ وجهوا لنا الدعوة لمساعدة شعب كابل .. أكرر الأمم المتحدة والمنظمات الخيرية ، فقامت طائرة أثيوبية تم تأجيرها بواسطة الأمم المتحدة ، وكذلك فعلت مصر _ بحكم مهارة الطيارين فى أثيوبيا ومصر _ بحمل الغذاء إل كابل .. لم نفعل ذلك لكى نربح أموالا أو نساهم فى مشكلة ، وإنما فعلناه بدافع إنسانى بحت .. أقول للقائلين بمشاركة طيارينا فى الحرب الأفغانية إن السوفييت لديهم طياريهم فلماذا يورطوننا فى هذا!!.
وما قلته عن أفغانستان أقوله عن إسرائيل ،. فطالما أن مشكلة العرب مع إسرائيل لم تحل بعد فلا تعاون مع الجانب الصهيونى.. إننى مندهش تماما، ففى الوقت الذى يستعد فيه العرب للجلوس على المائدة المستديرة لحل مشكلتهم مع إسرائيل ، يطلق البعض إشاعات عن علاقتنا بإسرائيل .. مما يؤكد أن أطرافا ثالثة تريد الوقيعة بيننا وبين العرب ، ثم اسمح لى بصراحة أن أقول : إذا قارنا موقف بعض الدول العربية من أثيوبيا بموقف إسرائيل منها،
لوجدنا أن بعض هذه الدول أساء لنا كثيرا، فى الوقت الذى لم تمارس فيه إسرائيل أى شىء ضدنا، ومع ذلك وقفنا ونقف مع العرب لأنهم على الحق ، ولأن مبادئنا تقول ذلك ، لم نقف مع العرب لوقوفهم معنا، وإنما لأنهم على الحق ، كم من الدول العربية تدرك ذلك ؟!، إننا نسير على مبادىء ومواقف ثابتة اتخذت فى الأمم المتحدة ومنظمة الدول الإفريقية .
- هل يمكن أن تساهم علاقتكم الوثيقة بالرئيس مبارك وبالقادة السودانيين فى حل أية مشكلة قد تطرأ بين السودان ومصر فى ظل محاولات الوقيعة بينهما؟!
- هناك قناعة ثابتة فى أثيوبيا تقول إن علاقات أثيوبيا والسودان ومصر علاقات تاريخية .. هذه العبارة لا نقولها لنفرح الجانب المصرى أو الجانب السودانى.. إنما هو التاريخ .. إننا جميعا شاركنا فى صنع حضارة قديمة ، وإننا جميعا نشترك فى شريان واحد (النيل)، صحيح أن هناك إيجابيات وسلبيات حدثت على مر التاريخ فى علاقتنا ببعضنا.. لكن شيئا واحدا يستطيع أن يجمعنا، هذا الشىء هو الشريان ، وهو الحياة بالنسبة لشعوبنا.. لهذا فإن البلدان الثلاثة لابد أن تدرك أن مصيرها واحد.. لقد عشنا معا وسوف نعيش . فى مسيرتنا تحدث سلبيات كما تحدث ايجابيات ، لكن علاقتى بمبارك _ الذى أحترمه وأحترم فيه كلمته وحنكته ونظرته البعيدة والثاقبة للأمور _ إننى لا أشترك معه فى مجرد التفكير فى العلاقة ، وإنما وصلت معه إلى العمق ، ولهذا وضعت معه اتفاقا أزليا عن المستقبل المشرق فيما بيننا.. إن أثيوبيا فى الرأس ومصر فى نهاية الجذع ، فكيف نترك السودان وحده يعانى من المشاكل ؟! نحن الاثنان لابد أن نزيل المشكلة المصطنعة فى السودان .. بعدها سنحتضن بعضنا البعض .. إننا ننظر بشفف لانتهاء المشكلة السودانية ،
وندرك أن جانبا آخر لا يريد للسودان أن يستريح ، ولهذا علينا أن نكسر الحواجز بنوايا
طيبة . إن أخى مبارك سوف يسير على ما اتفقنا عليه ، وكذلك أخى الصادق المهدى الذى أرجو أن يساعدنا وأن يدخل هذا النادى! إنه ليس خيارا وإنما هو مصير.. متى يعم السلام والأمن فى ربوع القرن الإفريقى؟
- أود أن أوضح فى البداية أن كلمة القرن الإفريقى تعنى جغرافيا: أثيوبيا _ والصومال وجيبوتى، وفيما يتعلق بالأقطار الثلاثة صادفتهم مشاكل متعددة ليست من صنعهم ، لكنها وجدت بواسطة الاستعمار الذى ينظر بنهم إل هذه المنطقة .
من المعروف أن شعوب هذه المنطقة كانت تعيش فى ارتباط دائم شكلا وموضوعا، لكن
الاستعمار عندما وصل إلى الصومال شطرها نصفين ، مما أدى إلى معاناة شديدة للشعب الصومال فى الداخل والخارج .. ومن ثم فقد لحقت نفس المشاكل بأثيوبيا ثم بجيبوتى.. ومنذ ذلك الوقت وحتى تعيش المنطقة فى سلام ولا تهنأ بمواردها الطبيعية ـ كان لابد من استحداث الفتنة بين الشعوب المجاورة حتى يطول عمر الاستعمار فى المنطقة .
بعد أن نجح الاستعمار فى استحداث الفتنة خرج مجبرا وهو غير راض ، ومن ثم أخذ شكل الاستعمار صورة أخرى.. لقد خلفوا لنا قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر فى أية لحظة .. وإذا أردنا أن نتكلم بصراحة فإنه بعد خروج الاستعمار مباشرة ظهرت ظاهرة غريبة بين الصومال وأثيوبيا متمثلة فى عدم التلاحم والترابط ، ولم تكن هذه الظاهرة رغبة الشعوب بقدر ما كانت عاكسة لوجهة النظر الاستعمارية .
المشكلة أن القيادة فى أثيوبيا فى ذلك الوقت كانت رافعة لشعار أثيوبيا الكبرى، بينما رفعت القيادة فى مقديشو شعار الصومال الكبرى، وكل له خطوطه وتطلعاته لتحقيق ذلك .
كذلك عملت القيادتان على توسيع وترسيخ هذه المشاعر بين شعبيهما. من هنا بدأ كدم التجاوب وانتشرت الفتنة .. ومع هذا فإن الأمر أصبح الآن مختلفا.
إن أعمالا كثيرة تنتظرنا فى أثيوبيا والصومال حتى نحقق رغبات شعوبنا كاملة ونحن
جادون . لقد بادرت بمبادرة جريئة نحو الصومال أسفر عنها تقارب شديد، حيث استطعنا أن نحل معظم أسباب النزاع .. سحبنا الجيوش من على الحدود، وقيادتا الجيشين تلتقيان بصفة منتظمة ولم تسجل حتى الآن حادثة حدودية واحدة .
لقد أعدنا العلاقات الدبلوماسية وأوقفنا الإذاعات المهاجمة وتبادلنا الأسرى.
لقد قسمنا علاقتنا بالصومال إل قسمين : الأول : إزالة أسباب الصدام وخلق جو ملائم بيننا سعيا للعلاقات الوطيدة عن طريق لجنة وزارية برئاسة وزيرى الخارجية فى كلا البلدين .
القسم الثانى: هو الاستفادة من جو السلام واستغلال ثرواتنا الطبيعية والبشرية فى تنمية البلدين ، وسوف ننتقل إلى هذه المرحلة قريبا.
* فى مايو 911ام ذكرتم أن 90% من الاتفاق مع الصومال تم تنفيذه . فماذا عن 10% الباقية ونحن فى يوليو 1989 ؟
- أستطيع أن أقول إن السلام قادم لا محالة فقد أزلنا أسباب المشكلة .. وعلى الجميع أن يشمروا سواعدهم للسلام مثلما شمروها فى الماضى للحرب !.
ما تبقى من الاتفاق هو الانطلاق للتنمية والتعاون فى المجالات الاقتصادية وغير الاقتصادية . .
* وماذا عن أوجادين ؟!
- مشاكل أوجادين لم تكن بهذا القدر الذى يستحق المبالغة ، إنها منطقة مجاورة للصومال حيث تنشأ بعض المشاكل المتعلقة بالمراعى، إضافة إلى بعض مشاكل الحدود.. ثم إن أوجادين فى الواقع منطقة حارة وقليلة الأمطار، وليس بها منتجات وموارد طبيعية مثل سائر المناطق الأخرى، لذلك نظرنا لها على أنها منطقة تضم شعبا متخلفا اقتصاديا ولابد من الأخذ بيده ، والتنمية هناك تجرى على قدم وساق بعد أن ساد السلام فى المنطقة .. والآن أستطيع أن أقول إن شعب أوجادين يقرر مصيره بنفسه عن طريق الحكم الذاتى الذى أعطيناه له .. أوجادين
الآن على مستوى رائع.
* سيدى الرئيس : دعنى أقول لكم فى النهاية إننى أريد كصحفى عربى أن أساهم فى ربط أثيوبيا ببلادنا العربية .
- سوف أكون مدينا لكم إذا قمت بهذا العمل ، ليس أنا كرئيس أثيوبى فحسب ، وإنما الشعب كله كذلك ، وسواء كنت موجودا أو غير موجود استمر فى سعيك وقل لرؤسائك إنه هدف نبيل .