** المشكلة فى الجزائر هى الشباب .. والجزائر كلها شباب. شباب المشاكل أم مشاكل الشباب ؟
** 80 % من أبناء الجزائر تتراوح أعمارهم ما بين 20 الى 40 سنة وللدلاللة على ذلك يكفى ان نعلم ان الغالبية العظمى من المارين فى الشوارع والجالسين على المقاهى والعاملين فى المصانع والمزارع ودواوين الحكومة وقطاعات الأمن والجيش هم من الشباب .
** علىالمقهى السياسى والاجتماعى جلست مع شباب الجزائر واجريت هذا التحقيق فيما يشبه المحاكمة .. محاكمة من ؟ محاكمة الشباب أو محاكمة اولئك الذين حولوا اتجاههم الى الجبال حيث العنف ، والى الخارج حيث المفر ، والى الفرنكفونية حيث الثقافة المستوردة والاغانى الهابطة .
** قلت لشباب الجزائر وانا جالس بينهم على المقهى الكائن بحى باب الواد أشهر أحياء العاصمة : ما سر هذه السلبية الواضحة التى أراها فى صفوف قطاع عريض منكم تحاه ما يجرى فى بلادكم برغم انكم أصل المشكلة ؟
** عيشى بن الأخضر ، رئيس جمعية الاصلاح بالنيابة "30سنة " : كل انسان له سلبيات وايجابيات وفيه بذرة خير وبذرة شر ، فاذا كانت البيئة التى يعيش فيها بيئة صالحة فستنبت الخير وتثمروالعكس صحيح .. ومع ذلك نستطيع ان نؤكد ان تفاعل الشباب الجزائرى مع الثقافة او اللغة السائدة فى المجتمع حالياً وهى لغة العنف والعنف المضاد ، تافعل سلبى ، ولم تستطع عوامل الضغط الشديد ان تعمل عملها فى غالبية الشباب الجزائرى ، وهذه مسألة ايجابية تحسب لنا ، واذا تأملنا الحملاتالاعلامية والغسيل المستمر للأدمغة لاكتشفنا ان هذا الشباب يستحق جائزة الصبر والثبات والامل . ولعل التجاوب الهائل الذى حدث فى المسيرة الأخيرة "8 مايو" يثبت بوضوح ان هذا الشباب وبرغم كل شىء ما زال بخير .
** أحمد بهاء عضو جمعية الكشافة "28 سنة" : يكفى صمود الشباب الجزائرى وعدم ضياعه فى الصراع الحالى الحاد بين ثقافتين أولاهما أصلية والاخرى مستوردة . ان نسبة الشباب فى الجزائر كما تعلم تتجاوز 75% وفى هذا الكم الهائل من البشر تتصارع فى الداخل طموحات متفاوتة ، وهنا نقول ان الغالبية العظمى من شباب الجزائر ترعرت على ثقافة فرنكفونية زرعها الاستعمار الفرنسى ورعاها وما زال لمدة 30 سنة : ومع ذلك فان هؤلاء الشباب فى مجموعتهم وباستثناء قلة منهم مضوا فى طريق التعريب والتمسك بالهوية برغم عوامل الجذب والاغراء وبرغم سيطرة العقلية الفرنكفونية على اجهزة الاعلام والثقافة ، بل التربية والتعليم والشباب سنوات وسنوات .
** قلت : ومع ذلك ايضاً كانت استجابةالشباب الجزائرى لروح الصدام سريعة فما سبب ذلك ؟
** مولود سعدى ، طالب جامعى "25 سنة" : الاسباب كثيرة لكن انه بعد اكثر من 30 سنة قضاها هذا الشباب فى صبر وثبات ، جاءت الفرصة التى تخيل فيها انه آن الأوان للخروج من دائرة الصراع بين الثقافتين ، ناهيك عن كون الشباب الجزائرى - كما هو معروف لديكم فى المشرق العربى – حاد الطبع بفطرته بحكم عوامل أخرى .
** قلت : سأعيد السؤالين السابقين بصورة أخرى وأقول لكم : اين كنتم وانتم اكثر من 75% من سكان البلاد حين وصلت الامور بها الى ما وصلت اليه ؟
الشباب المتحمس
** حسن محمد ، باحث اعلامى "32 سنة" : الشباب الجزائرى ظل مهمشاً طوال السنوات الماضية ولم تكن له أى حسابات لا مع الواقع ولا مع التاريخ ، واذا قارنت بين شباب الستينيات وشباب التسعينيات فى الجزائر ستجد هناك فارقاً كبيراً سواء من ناحية الفكر أو من ناحية الطموح . الشباب فى الجزائر الآن لم يشعروه بانه مشارك فى المسؤولية وارى ان الخروج من الازمة الحالية يستلزم ان يستدعى الشباب لتحمل مسؤوليته .
** عيسى بن الأخضر: الشباب فى الجزائر وحتى هذه اللحظة ما زال مهمشاً ، وسأعطيكم مثالاً واحداً وليلاً قوياً حدث عام 1986م عندما أراد بعض الشباب من الخريجيين القيام بمسؤوليتهم فى اطار النظام والقانون ؛ ففى لقاء كبار المسؤولين الجزائريين مع الطلبة المبتعثين الى الخارج وبحضور شريف مساعديه – وكان وقتها الرجل الثانى فى الجزائر – فوجىء الحاضرون به وهو يوجه حديثه لوزير التعليم العالى قائلاً : "يا وزير ، حذار ان تعتقد ان وزارتك تبتعث هؤلاء للخارج ليعودوا كاطارات تشارك فى الحكم " . ان هذا الحادث يؤكد كيف كان المسؤولون حريصين تمام الحرص على الا يشارك الشباب فى تحمل المسؤولية ، فكيف اذن ننسب لهم مسؤوليتهم عما حدث ويحدث للبلاد ؟ وهكذا فان شباب الجزائر بمن فيهم أولئك الذين حصلوا على أعلى الشهادات العلمية لا وجود لهم على خارطةالعمل السياسى. ألا يدل ذلك على ان العقلية المتخلفة وغير الحضارية كانت هى العائق الاساسى أمام مشاركة الشباب فى تحمل المسؤولية ؟
** قلت : انتم تعتقدون أن من اسباب العنف الحاصل عدم مشاركة 80% من السكان فى تحمل المسؤولية ؟
** عبد المجيد سالم ، صحفى "30 سنة" : بالتأكيد هذا أحد الأسباب وأزيد توضيحاً فأقول ان الصراع فى الجزائر كان صراعاً بين جيلين : جيل الثورة وجبهة التحرير والجيل الحالى "جيل المستقبل" . الجيل الأول له قيمه وثوابته والجيل الآخر له قيمه وثوابته ، فلما جاءت أحداث 5 أكتوبر 1988م خرج الجيل الثانى للتعبير عن رفضه التام لقيم وثوابت الجيل الأول، وهنا لا أحد يستطيع السيطرة على الاسلوب الذى اختاره كل شاب للتعبير عن هذا الرفض ؛ ومن ثم فمن الشباب من يحرق ويكسر ومنهم من كان يهتف ويسب ، وفى كل الحالات فقد كان أغلب ما حرقه ودمره الشباب هو مقار جبهة التحرير .
** قلت : لماذا ؟
** أحمد بهاء : لانها كانت تمثل السلطة فى ذاك الوقت او فلنقل انها كانت تمثل الرمز الممباشر للجيل الأول .
المشاريع المجهضة
** قلت : لكن التعددية جاءت بعد ذلك مباشرة ومع ذلك استمرت دوامة العنف والشعور باللامسؤولية ؟
** عبد المجيد سالم : عندما جاءت التعددية جاءت التنظيمات والاحزاب السياسية فى محاولة جادة لاستيعاب هؤلاء الشباب ، بل ان معظم – أو فلنقل جميع هذه التنظيمات والاحزاب – جعلت برامج الشباب فى مقدمة أولوياتها فى محاولة واضحة وسباق محموم لاستغلال هذه الطاقات، بل ان هناك من الاحزاب سمى نفسه بحزب الشبيبة الجزائرى . وعلى الطرف الآخر شعرت السلطة بان البساط سيسحب من تحتها فسارعت بتغيير خطابها ليكون مركزاً على الشباب . وفى كلتا الحالتين ظلت المسألة مسألة خطاب فقط ، مسألة كلام فقط ، والدليل على ذلك ان وزارة حمروش طرحت مشروعاً سمته مشروع "الشباب المقاول" كدلالة أو كتعبير عن رغبتها فى تحويل الشاب من عاطل الى مقاول هكذا مباشرة ، وهذا بالطبع ظل مجرد حلم سمتحيل وشعار غير واقعى بالمرة . فلما جاء بلعيد عبد السلام رئيساً للوزراء خرج علينا بمشروع جديد سماه مشروع "الشباب الفلاح" وكان بدوره مشروعاً وهمياً .
** قلت : وماذا عن وضع الشباب فى عقلية الحكم الحالى : الرئيس زروال ومجموعته من الوزراء والمسؤولين ؟
** حسن عبد الرازق ، طالب جامعى "20 سنة" : المجموعة الحالية يمكن اعتبارها همزة الوصل بين جيلين ، فزروال ومعظم مجموعته لا يمكن اعتبارهم من الجيل الاول ولا من الجيل الحالى ، لقد كانت أعمارهم عند الاستقلال 20 سنة أو أقل ولذلك فهم أقرب الناس الينا والامل كبير .
** قلت : لنعد مرة أخرى ونسأل عن الانفجار الذى حدث فى صفوف الشباب المسلم .. ما مسبباته الحقيقية ؟
** عيسى بن الأخضر : عندما جاءت التعددية وجاءت الأحزاب ، ظن الشباب الجزائرى ان الفرصة قد جاءت وان الوقت قد حان للمشاركة ، وعلى الفور سارع تيار الصحوة الاسلامية – وهم الغالبية- الى الانضمام الى جبهة "الانقاذ" ، فلما وصل معها وبها الى الحكم حيل بينه وبين الوصول فحدث ما حدث !
** أحمد بهاء: لقد تواكبت الصحوة الاسلامية مع التعددية فى الجزائر ومع أحداث عالمية أخرى أشعرت الشباب الجزائرى بأن هناك قناة يمكن من خلالها ان ينفض عن نفسه غبار الاهمال وعدم المسؤولية ، بل الضياع ، ولان الصحف الاسلامية فى الجزائر أخذت 90 % من هؤلاء الشباب ، فقد حصلت "الانقاذ" على غالبية هؤلاء الشباب ، فلما حدث ما حدث أصيب هؤلاء بخيبة أمل كبيرة واكتشفوا فى النهاية انهم يدفعون الضريبة مرتين : مرة لفشلهم فى الوصول مع الجبهة ، ومرة أخرى لفشل الجبهة فى ضبط أعصاب هذا الكم اهائل من الشباب ! وهو الأمر الذى تولد عنه لجء بعضهم الى الجبل .
الاصطدام
** عبد الحميد سالم : لابد ان نعترف ان الصحف الاسلامية زرعت فى نفوس الشباب رفض كل ما هو مستورد وخارج عن اطار الهوية الاسلامية ومع ذلك فقد ظل هذا الرفض عقلانياً ومنضبطاً حتى جاءت "الانقاذ" بطموحاتها وبالعاطفى الجياشة التى تغلبت على معظم قراراتها، ولانها العطفة فقد تولد عن ذلك ارتفاع موجه الاحتجاج شيئاً فشيئاً حتى وصلت الى درجة عالية ، وبالمقابل لم تكن عقليات بعض هؤلاء الشبان قد حصلت من العلوم والثقافة والفقه الاسلامى ما يجعلها تعيش الامور بمقياس سليم ومنضبط ومحسوب .
** لقد ظن معظم هؤلاء الشباب ، خاصة وهم يحققون انتصارات متوالية فى الانتخابات البلدية والنيابية ، انهم سيشكلون الحكومة الاسلامية بعد شهر أو شهرين ، فلما حدث ما حدث شعر هؤلاء باحباط شديد تولد عنه ما نراه حالياً وما نحن بصدد بحثه الآن .
** أحمد بهاء : نعم فأمام هذا الاحباط لجأ قطاع كبير الى "الجبل" وما أدراك ما الجبل .. هذاالذى تغنى بدوره لاشعراء أيام مقاومة الاستعمار ، وقطاع آخر لجأ الى الهروب الى الخارج ، وقطاع ثالث هرب الى المخدرات . ومع ذلك فهناك قطاع كبير بقى ثابتاً وصابراً بدليل انك تجلس الآن معنا لنبحث سوياً فى أصل المشكلة .
** قلت : والآن ماذا عن دور وزارة الشباب الجزائرية فى الاخذ بيد الشباب من جديد ؟
** عيسى بن الأخضر: الوزارة السابقة اكتفت بالتحدث عن استقبالات الوزيروبحث الخطط دون ان نلمس شيئاً على الأرض .
** حسن عبد الرازق : من سلبيات وزارات الشباب السابقة أيضاً انهم كانوا يركزون على مجموعة معينة من الشباب يجعلونهم مقربين منهم ويستخدمونهم لمراقبة المجحموعات الاخرى وقد اسفر ذلك عن صدام آخر بين مجموعة تحظى بكل اهنام واخرى لا احد يهتم بها . فلماذا اذن نلوم الشباب فى خروجه الى الجبل وهو يشعر طوال الوقتانه خاسر خاسر ؟ ولماذا نتعجب من قيام بعضهم بعمليات انتحارية وهو يشعر طوال الوقت انه بالفعل ميت ؟
نموذج للضياع
** عبد المجيد سالم : سأقدم نموذجاً آخر للضياع يمكن اعتباره احد أسباب الأزمة : ففى العام الدراسى الماضى تقدم لامتحان "البكالوريا" 360 الف طالب وطالبة فقبل منهم 60 الفا فقط وحيل بين الـ 300 الف شاب وفتاة فهل هذا يعقل ؟
** عيسى بن الأخضر : هذه الالوف المؤلفة من الشباب الذين يحال بينهم وبين تكملة دراساتهم لا يجدون فى المقابل أية فرصة للعلم فى ظل البطالة السائدة ، فالى اين يذهبون ؟ ومرة اخرى سنسألكم : هل يلام هؤلاء حين يلجأون لحمل السلاح ، وهل يلامون وهم يفرون الى الخارج أو الىعالم المخدرات ؟ أليست المسألة ضياع فى ضياع ؟!
"بجاية" عاصمة "الاسلام" يريدون تحويلها الى عاصمة "الرقص"
** من المفارقات الغريبة ان يرتبط "الربيع البربرى" فى الجزائر بيوم العلم الذى يحتف به فى كل سنة يوم السادس عشر من ابريل ، دعوة منا الى تكريم العلم والعلما ، ووفاء للجهد المبذول للقضاء على الجهل ودعاوى الجاهلية فى أبشع صورها ومعانيها .
** ومن عجائب القدر بأصحاب الدعاوى هذه ، انهم يدعون للاحتفالبالبربرية بمناسبة تكريم الناس لعالمالجزائر وباعث نهضتها عبد الحميد بن باديس ، هذ1 الزعيم البربرى الذى عربه الاسلام فقال : "أنا أعيش للاسلام وللجزائر" ، رافعاً شعار "شعب الجزائر مسلم والى العروبة ينتسب". إن يوم العلم دعوة الى احياء الجزائر ، ببعثها من خريفها الثقافى الفرنكفوني العنصرى ، ومن صيفها الجهوى الطائفى الانفصالى الاقليمى ، الى ربيعها الوحدوى الاصولى العربى الاسلامى بأزهاره الوطنية ، واعضائه الثقافية ، وجذوره الحضارية لصياغة مشروع باقة جزائر فواحة أصلها ثابت وفرعها فى السماء ، يلتف حلوها جميع ابنائها ، من "تمنراست" الى "تلمسان" .
** فأية ثقافة هذه الذى تكرس التجزيئية الوطنية ، واى ربيع هذا الذى تزكم الانوف فيه رائحة البارود والتلوث الايديولوجى ؟
** ان "بجاية" التى يراد لها – اليوم – ان تكون عاصمة للرقص ، والغناء ، والطربباسم "الربيع البربرى" ، هى عاصمة الاسلام والعروبة ، فى ربيع العلوم والحضارة ، حيث كانت قبلة العلماء من أمثال ابن الربيع ، والمشدالى ، والمنجلاتى ، والثعالبى ، وابن معطى ، وكلهم "برابرة" جاهدوا فىسبيل نشر العربية والاسلام فى ربوع الدنيا . ولكن خلف من بعدهم خلفا اضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ، فحولوا قبلة العالم والحضارة الى مرقص للمجون والدعارة. فأى ربيع والجزائر مقطعة الأوصال ، ممزقة الأشلاء ، ربيعها خريف ، وخريفها مخيف ؟
** ان الربيع البربرى "سيمفونية" نشاز ، غريبة فى لحنها وعزفها ، أجنبية فى لغتها ودعوتها ، انها فتنة طائفية ومؤامرة عل الوحدة الوطنية ، وان الفتنة نائمة ، ولعن الله من أيقظها .
د. عبد الرازق قسوم
عميد معهد أصول الدين بالجزائر
كلمات وجولات غير متقاطعة فى شوارع العاصمة
دورة حول مسجد "كابل" وملعب "بلكور" والنهاية المؤسفة
** تجولت مع ممجموعة من الشباب الجزائرى فى أرجاء العاصمة الكبرى التى تضم اكثر من "بلدية" ، وعلى عكس ما يقال فإن السمة العامة لشوارع الجزائر وللمارة الذين يسيرون فيها هى الالتزان ، صحيح انك يمكن ان تشاهد فتاة محجبة وهى متأبطة ذراع أخرى ترتدى "الجينز" ، ولكن هذا المشهد قد يشير الى مدى التحول المستمر فى عقلية الشعب الجزائرى – اقصد الشباب الجزائرى- العربى المسلم .
** مررنا ببلدية "حسين داى" ثم بلدية "بلجراح" ثم بلدية "بلكور" ، وبرغم ان هذه البلديات كلها كانت وما زالت معاقل لجبهة الانقاذ ، فانها تضم عدداً من دور السينما وتستطيع ان تجد لافتات الاعلانات الخاصة بجانب لافتات وشعارات جبهة الانقاذ !
** اخترقنا شوارع بلدية "بلكور" بصعوبة فقد كان اليوم جمعة ومباراة مهمة فى كرة القدم على وشك البداية . والغريب فى الجزائر هذا الاقبال الشديد من الشباب على كل شىء فأمام ملاعب الكرة ازدحام شديد وأمام المساجد ازدحام اشد والشباب قاسم مشترك .
** اقتربنا من مسجد "كابل" – نسبة الى رواده من الشباب العائد من افغانستان – لقد انطلق العمل المسلح من هنا ، حرصت على الدوران دورة كاملة حول المسجد علنى أجد ملمحاً من ملامح العنف ، غير انى لم اجد سوى شباب يرتادون المسجد فى هدوء تام . لم يكن مسجد "كابل" هو نقطة انطلاق الاضراب ولم يكن فى الاصل يرتبط بأية علاقة مع "الانقاذ" ، لقد كان مسجد "السنة" وكذلك مسجد "ابن باديس" هما المسجدان الرئيسيان للانقاذ ايام تفاعل الازمة ، وهما الآن اضافة الى مسجد "القبة" مفتوحان للصلاة بصورة عادية .
** معظم الشباب فى منطقة مسجد "كابل" يرتدون الثوب الابيض وفوقه " الجاكيت" وأسفله "البنطلون" ومعظم هؤلاء يتبعون او ينهجون النهج السلفى المتزن والعاق وهم بعيدون تماماً عن مستنقع السياسة ، ويتمتع الشيخ عبد المالك بسمعة طيبة للغاية .
** اقتربنا من ضواحى "حيدرة" وازدادت نسبة المشاة من ذوى اللحى بالنسبة للشباب ، والحجاب الشرعى بالنسبة للفتيات . الغريب ان بعض المنتسبين لجماعة التبليغ من الذين فاض بهم الكيل انضموا الىالعمل المسلح ومنهم "السايح عطية" . بالمناسبة فان معظم قادة الانقاذ ليسوا من العاصمة ، فالشيخ عباسى من الجنوب ، والشيخ بلحاج من صحراء الجزائر القريبة من تونس، والشيخ على جدى والشيخ عبد القادر بوخمخم والشيخ عبد القادر حشانى من الشرق ، والشيخ كرار من وهران والشيخ محمد السعيد من القبائل .
** وفى العاصمة تنتشر أجهزة "الدش" التى تلتقط معظم القنوات الفضائية العربية والعالمية . ويشترك سكان كل عمارة فى الجزائر فى شراء الطبق الذى يبلغ ثمنه ما يوازى 3 آلاف دولار أمريكى ، وفى الحقيقة فانه لا خوف على القيم فى الجزائر من مفعول القنوات العالمية ذلك ان التليفزيون الجزائرى نفسه وحتى قبل شهر من الآن كان يقوم بهذا الدور خير قيام.!!
** مررنا كذلك بحى "أبو ذريعة" وهو حى مرتفع للغاية وفيه قتل "جعفر الأفغانى" وهو احد ابناء الحى وهو من مواليد 1964م وقد التحق بالمجاهدين الافغان وعاد ليعمل بالتجارة البسيطة "الكتب والمسابح والسواك وغيرها" وبعدها صعد الى الجبل بعد ان اختار طريق العمل المسلح.
** استغرقت جولتى فى بلديات العاصمة ما يقرب من خمس ساعات لم أتعرض خلالها لأية مضايقات أو مراقبات ، وعندما عدت الى فندق الجزائر ودخلت "المصعد" وبعد أربعة أدوار حدث عطل مفاجىء اضطرنى للبقاء داخل المصعد أكثر من نصف ساعة . وعندها خشيت ان تكون نهايتى داخله ، فذلك باختصار يعنى عشرات القصص والروايات اتى كانت ستكتب حول مقتل صحفى عربى على يد الاسلاميين كما ستقول بعض الصحف أو على يد الفرنكفونيين كما ستقول صحف أخرى ، ولكن الله سلم وصعدت الى غرفتى لأحمل حقائبى وأتوجه الى فندق "السفير" .