حتى الآن لا أجد مبرراً عملياً ومقبولاً لاستمرار الاحتفالات الفضائية العربية الفائقة بذكرى النكسة الأليمة. لقد مضى الخامس من يونيو والسادس والسابع والعاشر كما مضى الشهر كله قبل أن يدخل يوليو ثم أغسطس دون أن تتوقف الاحتفالات.
وقد نفهم أن يكون الإلحاح على الاحتفاء لأخذ العبر والدروس وعدم الاستسلام لمقولات مثل " سنرميهم في البحر". وقد نفهم كذلك أن يكون الهدف أن تعي الأجيال الحالية خطورة الرأي الواحد الذي يمكن أن يعصف بأحلام أمة كاملة، إن لم يكن قد عصف بها بالفعل. لكن شيئاً من ذلك- على الأقل فضائيا- لم يحدث بل العكس هو الذي حدث ويحدث.
برامج وحوارات وندوات كلها تردد وتؤكد أن عبدالناصر هو السبب وأن عبد الحكيم انتحر أو نحروه، وأن المذيع أحمد سعيد كان يذيع بيانات كاذبة.. وكأن أحداًَ من العرب يشك في ذلك .
لقد مضى على الهزيمة 40 عاماً وجاءت بعدها حرب الاستنزاف الباسلة وحرب أكتوبر المجيدة، لكن الفضائيين الجدد، ودعاة التيئيس والتخويف والتخوين والتخمين والتحزين والتخبيص والتخريف .. مازالوا يتوقفون عند حالة العجز العربي يريدون استمرارها وترسيخها للأبد.
عراء وخواء وإصرار على بث روح الهزيمة.. ولا مانع من انتصارات تلفزيونية في معركة"نهر البارد" وموقعة "عين الحلوة" وغزوة دارفور وملحمة مقديشو ومجزرة البليدة وفتح بغداد.. ويا أهلاً بالمعارك!