بتاريخ
17
ديسمبر 2007
المسلمون
فى
جزيرة الرقيق
عَمرَّوُا وشيدّوا وزرعوا
وجاءوا يلعقون جراحهم
محافظ دار العبيد
هذه شروط البيــع :
بـروز اسنان الولـد .. نضوج البنت .. والسعـر حسب الـوزن
’** أحدثكم من جزيرة الدموع والدماء !
** بالتحديد من كُـوّات "فتحات" ضيقة خرج منها ملايين العبيد الى اوروبا وامريكا فعمروا وزرعوا وشيدوا .. وبعد ان انتهوا من كل ذلك عادوا بوريقات مكتوب عليها "العرب هم تجار العبيد" !
** وأكتب لكم من جزيرة "جورى" التى شهدت شحن أكثر من 20 مليون مسلم ومسلمة وصلوا بالفعل إلى البر الآخر ، بينما التهم الحوت ملايين أخرى كان وزنها أقل مما هو مطلوب ! وكان شكلها غير مطابق للمواصفات .. وكان الموت يحوم حول كل البواخر التى رفعت علناً شعار العنصرية وأطلقت صافرات الكيد للإسلام والمسلمين . ,
20 مليون مسلم ومسلمة تم شحنهم إلى امريكا وأوروبا من هذا المكان
و
أنقل إليكم صوراً وحوارات وسويعات عشتها مع أحفاد العبيد – وعفواً لاستخدام الوصف – وهم أطباء ، ومهندسون ، واقتصاديون ، وخبراء فى كل المجالات – وكنت أظن أنهم نسوا .. زكنت أظن أنهم جاءوا يتنفسون عبق الحرية .. غير اننى اكتشفت – أنهم بدورهم – ما زالوا عبيدا ! هم الذين قالوا لى ذلك !
** عبيد فى القرن العشرين والحادى والعشرين .. عبيد لأفكار واطروحات الآخرين .. عبيد لسياسة الآخرين .. عبيد لاقتصاد الآخرين .. عبيد لسينما ومسرح وثقافة الآخرين .. عبيد لتطلعات وطموحات الآخرين .. عبيد للمستعمرين ! استعمار .. ومستعمرون فى القرن العشرين والحادى والعشرين استعمار للعقول واستيلاء على الفكر وهيمنة أجنبية على كل شىء بدءاً من القميص الذى يرتدونه ونهاية باللسان ! نعم هيمنته باللسان الافرنجى الذى فرضوه على افريقيا المسكينة .. وعندما استيقظت المسكينة قالوا لها : ان السبب هم العرب .. انهم المسلمون ، انها العروبة والاسلام ولا حل لكم سوى كراهية العرب وقتل المسلمين ومحو ما قد وصلكم من أفكار الاسلام ! صدقهم البعض وهكذا كانت الكارثة ، وبدأ البعض الآخر يفكر بجدية فى الثأر من العرب والاسلام والمسلمين وهذه كارثة أكبر .. فبأى كارثة نبدأ ؟
** نبدأ بالكارثة الأم كارثة شراء ملايين من فتيات وشباب المسلمين فى افريقيا ونقلهم من بلدانهم الى جزيرة "جورى" السنغالية وفى "جورى" ومن "جورى"نبدأ التحقيق !
** خرجت من الفندق الرائع الواقع فى حضن الماديس على ساحل المحيط الأطلسى الذى يحيط بالعاصمة السنغالية "داكار" . كنت ضمن فوج سياحى ذاهب إلى جزيرة "جورى" . لم أكن أتوقع أن مهمتى ستبدأ فور جلوسى على المقعد الخاص بى فى الحافلة الكبيرة !
** كان الجالس بجانبى والجالس أمامى وخلفى والجالسون فى كل المقاعد هم أحفاد أولئك الذين خرجوا من الفتحات الضيقة إلى امريكا واوروبا !
** الدكتور أبو بكر ، أمريكى من أصل نيجيرى ، والبروفيسور كمال الدين برتغالى من أصل نيجرى (نسبة إلى النيجر) وخبير الإقتصاد العالمى يوسف كاه فرنسى من أصل سنغالى ، والروائى بوانى هولندى من أصل جابونى ، وتيام باحث قانونى امريكى من أصل غينى ، وكانت الأسماء الأخرى لاتينية محضة إذ كان المالك الامريكى أو البرتغالى أو الفرنسى أو الهولندى يسقط الاسم العائلى للعبد ويعطيه الاسم الجديد !!
** بداية ساخنة ومحرجة والحافلة تمضى فى شوارع داكار حتى تصل إلى الميناء ، ومن هناك صعدنا إلى الباخرة !
** تحركت الباخرة وتحركت معها مشاعر جميع الركاب ، وهبطت الأمطار الخفيفة وانسابت دموع البعض ، المسافة من داكار الى الجزيرة لا تتجاوز الثلاثة أميال . استغرقتها الباخرة فى دقيقة بالنسبة لى وفى قرون بالنسبة لبقية الركاب !
** أما القرون الثلاثة فهى تلك التى شهدت ترحيل أو شحن العبيد الى اوروبا وامريكا عبر جزيرة "جورى"!
** ها قد بانت الجزيرة التى يبلغ طولها من الشمال الى الجنوب 900 متر وعرضها من الغرب الى الشرق 300 متر فقط ورغم صغر حجمها فقد ظلت أكبر سوق فى غرب أفريقيا لتجارة الرقيق .
** قال لى تيجانى اندوى : ها أنت معنا الىن فى جزيرة "جورى" التى سماها البعض بجزيرة الدموع والدماء وسماها البعض الآخر بجزيرة الحرية وقسم ثالث بجزيرة السلام والهدوء ! وعلى كل حال فإن كل هذه الأسماء تعنى جزيرة "جورى" وتعبر اما عن مرحلة دامت ثلاثة قرون من تاريخها واما لما تعنيه كلمة "جورى" من معانى الحرية والشرف والوقار فى اللغة الوطنية الواسعة التداول فى السنغال وإما لما تراه منالآثار القائمة المؤلفة من جدران متداعية وآثار للديار والأزقة الضيقة والمدافع الثقيلة ،وإما لما تسمعه من قصص وحكايات عن الويلات التى عانت منها الجزيرة والأدوار التى قامت بها فى ظل الاستعمار .
جدى مرَّ من هنا
** أشار الدكتور أبو بكر بيده نحو الشاطىء قائلاً : جدى مرَّ من هنا . حشروه كما تحشر الدواب . بل أنهم مع الدواب أرحم بكثير ! كان جدى كما يقول أبى مفتول العضلات وكان وزنه أكثر من سبعين كيلو جراماً ، وهكذا اختير فالوزن بالنسبة للرجال لا ينبغى أن يقل عن الـ 60 كيلو جراماً ! أما من هم أقل من 60 فكانوا قسمين أو صنفين ! صنف أقل من 60 بقليل ، 58 أو 57 مثلاً وهؤلاء يتم تسمينهم تماماً كما يجرى تسمين الدواب أو الدواجن ، فإذا بلغ الشاب وزن الستين أخذوه من الغرف الصغيرة التى يتم تخزين البشر فيها وأدخلوه فى الممر ومنه الى الكُوّة، ومنها إلى السفينة !
** قلت له : اريد ان أعرف كل شىء .. الغرف الصغيرة .. والممر والكوة وحكاية الوزن !
** قال لى ستسمع بشغف وربما بنشوة وسأروى بألم وربما بحسرة ، وطعم مرير أتذوقه الآن وأشعر به يجرى فى فمى ! سكت أنا وتحدث هو !
** قال الدكتور أبو بكر – وهو كمنا ذكرت أمريكى من أصل نيجيرى جاء إلى داكار للمشاركة فى مؤتمر عالمى لخدمة التجارة العربية الافريقية : أما الغرف الصغيرة فهى تلك التى يتم تخزين من تم شراؤهم من مختلف أنحاء أفريقيا وأمام كل غرفة ميزان ! فجأة تدخل اندوى قائلاً : ولماذا لا يكون الشرح نظرياً وعملياً فى نفس الوقت ؟
** قلت : كيف ؟ قال : تعالوا معى لنرى تلك الغرف الصغيرة ! على باب المبنى علقت لافتة تقول انه المتحف الوطنى لجزيرة "جورى" دخلنا الغرف التى لا تتجاوز مساحةالواحدة منها 3 أمتار فى 3 أخرى وفى كل غرفة من هذه الغرف كان يتم حشر ما يزيد عن المائة "إنسان" ولأن باقى الثمن لم يكن ليدفع سوى بعد رحيل السفينة فإن أرواح هؤلاء البشر لم تكن مهمة على الاطلاق .. بل لعل الأمراض والاوبئة التى انتشرت فى ذلك الوقت كانت الاختبار الحقيقى لمدى صلاحية الذاهبين أو عدم صلاحيتهم !
** هنا كانت ترقد أكوام من اللحم الآدمى وفى الحقيقة فان الشباب كانت لهم غرف خاصة غير تلك التى تحشر فيها الفتيات وكذلك الأطفال ولم يكن السبب فى ذلك الفصل أو الانفصال هو احترام ادمية البشر ، وانما لتسهيل عملية الاختبار ومدى انطباق الشروط أو عدم انطباقها . وقبل أن أسأل عن الشروط سألت عن "الممر" !
** أما الممر فهونفق تحت الأرض يصل ما بين الغرف الصغيرة إلى "الكوة" ومن "الكوة" إما إلى السفينة وإما إلى "الحوت" ، وأما "الكوة" فهى فتحة صغيرة أشبه بالكهف فإذا ما كانت الشروط منطبقة خرج "العبد" منها إلى السفينة واذا لم يكن الأمر كذلك خرج منها إلى البحر حيث تنتظره الحيتان وحيث يحلق الموت بجناحيه على أرجاء الجزيرة !
زوجة نابليون
** هنا مات أجدادنا وآباؤنا وأعمامنا وأمهاتنا وعماتنا من أولئك الذين رسبوا فى الاختبار ! ومع ان الامر لم يكن بيدهم فقد كان قرار الرسوب يعنى قرار الموت ! وهنا تعالت صرخات الانقاذ والنجاة ودفنت صرخات أخرى داخل الابدان المنهكة من طول المشوار من الدول الافريقية المختلفة .. من جامبيا والجابون وغينيا ومالى والنيجر ونيجيريا إلى جزيرة "جورى " ف الس-نغال وكلها كما ترى دول اسلامية ولانها دول اسلامية فقد كان التجار القادمون من اوروبا وامريكا للشراء يتسمون باسماء اسلامية لتسهل عملية البيع وتجرى فى أمن وأمان وهكذا يكذب الغرب حين يلصق تهمة الاتجار فى الرقيق بالعرب والمسلمين . هم وحدهم الذين يعرفون الحقيقة كاملة .. اعترفوا بها ذات مرة فور قيام الثورة الفرنسية لكنهم عادوا فانكروا .. فلم يكن أمام الثورة الفرنسية عام 1789 م وهى ترفع شعارات المساواة والحرية والاخاء والديمقراطية ، سوى أن تعلن إلغاء تجارة العبيد فى كافة المناطق الواقعة وراء البحار الفرنسية .. إلا أن هذا الالغاء لم يدم طويلاً ؟
** كيف ؟ سألت فأجاب اندوى قائلاً : لقد أعاد نابليون بونابرت تجارة العبيد من جديد عام 1818 لارضاء زوجته "جوزفين دبوآنى" التى كانت تمتلك مزارع فى فارتينيك ولأن هذه المزارع تحتاج إلى من يزرعها ويستصلح ارضها ويعدها فقد كان القرار واضحاً وجريئاً بسرعة إحضار كمية أو شحنة من هؤلاء الافارقة وبنفس الشروط!
** قلت مرة أخرى وقبل أن نخوض فى مسألة الشروط بالتفصيل أريد أن أعرف القصة من أولها!
** قال الباحث "عمر أ" وهو فرنسى من أصل جابونى : انها قصة دامية ومليئة بالجراح التى أراك تتكأها الآن ! ومضى يقول : عندما اكتشف البرتغاليون هذه الجزيرة عام 1444م وجدوا فيها سكانا مكونين من قبيلتى "ليبو وسيرير" يحترفون صيد الأسماك ، وكان هؤلاء يأتون إليها من "داكار" فى الصباح ويعودون ليلاً خوفاً من المعتقدات التى سادت فى ذلك الوقت . وظل حال الجزيرة هكذا إلى أن باع زعيمهم واسمه "بيرام" كامل الجزيرة للهولنديين عام 1617م ولكن الأميرال الفرنسى أخرجهم منها واستولى على الجزيرة عام 1672 ثم استولى عليها الانجليز عام 1697م وباختصار كما يضيف اندوى : فقد مرت الجزيرة خمس مرات بأيدى الانجليز و6 مرات بأيدى الفرنسيين حيث أعيدت لفرنسا بموجب اتفاقية فيينا لعام 1815 وظلت تحت الادارةالفرنسية إلى يوم اعلان الاستقلال الوطنى للسنغال عام 1960م !
** وقبل هذا التاريخ – تاريخ الاستقلال ظلت جزيرة "جورى" أكبر سوق فى غرب افريقيا لتجارة الرقيق واكبر شاهد على كذب وافتراء هؤلاء الذين يرفعون شعارات الحرية والمساواة وهؤلاء الذين يحلو لهم الاساءة للعرب والمسلمين فى كل مناسبة !
حمام شمس
** مضينا فى شوارع وأزقة الجزيرة التى تحتفظ بأسمائها القديمة .. ها هو السجن الذى تحول إلى متحف تاريخى .. وسكان الجزيرة الذين يعدون بالمئات فى قمة النشاط بعضهم يعمل بالزراعة والبعض الآخر بالصناعة والتجارة بينما يتبرع التلاميذ بالاعلان عن استعدادهم للشرح كمرشدين سياحيين لهؤلاء الأجانب الذين جاءوا يستمتعون بالشمس والهواء النقى وقصة الجزيرة المسكينة.
** يضحك البروفيسور تيام وهو يقول لى : انهم يعلنون عن مرشد سياحى يحكى لى قصة مرور جدى ومقتل جدتى لا لشىء سوى لصدرها الصير! يضحك ثم يكسو الوجوم وجهه وهو يشير إلى سائح غربى يعطى فرنكا لطفل افريقى قام باعطاء "كلبه" حماما ثم مشط له شعره ثم أعطاه "حمام شمس"!
** أجداد هؤلاء هم الذين اشتروا أجدادنا ، وآباؤهم هم الذين اشترونا نحن ! كيف ؟ قال لى : تلك قصة أخرى !
** ونمضى فى الجزيرة نتمتع بهواء طلق خال من دخان المصانع الموجودة فى العاصمة داكار .. الناس هنا سواسية فى مظهرهم وفى مأكلهم ومشربهم وفى وسيلة تنقلهم الوحيدة وهى القدمين ! قال البروفيسور تيام : لو لم تنطبق الشروط على جدى لما كان أولادى الآن يقيمون فى امريكا.. قلت : ها أنت عدت إلى حيث الشروط !
** قال : كانت عملية البيع تخضع لشروط عديدة أهمها : بروز الأسنان كاملة بالنسبة للولد ، وبروز الثديين بالنسبة للبنت ، أما الوزن فلا ينبغى أن يقل عن 60 كيلو جراماً ثم ان سعر الرجل يزداد وينقص حسب وزنه بشرط أن يزيد عن الـ 60 !
** وكان العنصر كما يقول اندوى شرطا مهما فى تحديد الاسعار كذلك القبيلة ، وكان القادمون من قبيلة "يوروبا" هم الأغلى سعراً ، وتعرف "ديوروبا" فى لغة السوق بالقبيلة أو بالعبيد ابيض ويحمل كل فرد منهم قبيل الرحيل الى المجهول رقما خاصاً به وبالطبع يتم اسقاط اسمه العائلى ويعطى اسما جديداً امريكيا أو فرنسيا أو برتغالياً أو هولندياً!
** يعترض يوسف انجاى الباحث السنغالى المعروف والمحافظ الحالى لدار العبيد – هذا هو اسمها – على القول ان الجزيرة لا تحمل سوى معنى واحداً هو معنى الكارثة ويقول : ان جورى قامت بأدوار سلبية وأخرى إيجابية ، ولا يجوز الاكتفاء بالقول إنها كانت ساحة للمأساة الانسانية فقط ولا يجوز أيضاً انكار هذه الحقيقة التى يثبتها الف دليل ودليل .. لقد منحت "جورى" افريقيا كما يقول محافظ دار العبيد رجالاً اكفاء ونخبة مستنيرة تخرجت فى مدرسة "بونتى" ويكفى أن تعلم أن "بليس جاج" أول نائب اسمر فى البرلمان الفرنسى ومساعد وزير الدولة للمستعمرات الفرنسية فى افريقيا الغربية ورئيس بلدية داكار فىالفترة من 1925 الى 1934 تخرجوا فى هذه المدرسة! قلت : نعم يكفى ذلك ! قال مضيفاً : وفى هذه المدرسة تخرج أيضاً العديد من الكوادر الذين تسلموا الزعامة فى بلدان افريقيا الغربية الفرنكفونية فى بداية الستينيات مثل "افويت بوانى" أول وزير أسود فى الحومة الفرنسية وموديبو كيتا رئيس مالى السابق ، وعمادى دجورى رئيس النيجر السابق ، وكذلك الأمين جى وغيرهم !
** سألته عن هذه الدار التى يتحدث من داخلها فقال : هذه الدار شاهدة عيان على مدى الاضطهاد والعنصرية التى لاقاها الانسان الافريقى عبر العصور ، ومنها خرج مئات الىلاف وخاصة من افريقيا الغربية إلى امريكا وكوبا والبرازيل وجزر انتى الفرنسية وهايتى وهى احدى سبل "الترانزيت" حيث يوجد اسفلها الممرات التى كان يمكن أن يمكث فيها هؤلاء لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر قبل الرحيل !
** ومضى يقول : كانت حالة هؤلاء الناجحين فى اختبارات الشروط فى قمة السوء حيث كانت تنتشر بينهمالأمراض الوبائية ، وهكذا فقد كان من الممكن أن ينجح الرجل فى اختبارات الوزن والصحة وغيرها وفى اثناء تواجده فى الممر يصاب بممرض وبائى لا تظهر أعراضه سوى على الباخرة والتصرف هنا يكون هو القذف به وبأمثاله فى عرض البحر !!
** سألت عن التهمة الظالمة والقائلة إن التجار كانوا مسلمين وبالتحديد من أبناء العرب ، قال لى البروفيسور النيجرى : كمال الدين برتغالى هذه فرية كاذبة وأؤكد لك ان التجار القادمين من امريكا والغرب لعملية الشراء كانوا يطلقون على أنفسهم أسماء إسلامية وكانوا يستغلون بعض ضعفاء النفوس من المسلمين فى هذا الشأن . لقد كان الوسطاء البيض يدخلون فى مستعمرات جامبيا والجابون وغينيا ومالى والنيجر ونيجيريا وكان البيع يتم عن طريق المقايضة مع زعماء العشائر الذين يجهلون على طول الخط خطورة المسألة . وقد وصل الأمر إلى مقايضة الانسان بكيس كبير من الملح أو زجاجة من "الروم" وهى نوع من الخمور!
محلك سر
** كانت الشمس قد أعلنت انسحابها من فوق الجزيرة ، وكانت باخرة العودة تطلق صافراتها معلنة الرحيل ، وحين أعلنت أنا عن سعادتى بصحبة هذه الكواكبة من الباحثين الكبار الذين جاءوا يستنشقون هواء الحرية فاجأنى الدكتور أبو بكر بقوله : أية حرية تعنى ؟ وقبل أن أجيب أردف قائلاً : يا بنى القصة نفسها تتكرر ولكن بصور أخرى ! قلت : كيف ؟ قال : نحن فى الغرب أسرى لأفكار وقيم وأخلاق الغير ! إذا كانوا قد اشتروا أجساد وعضلات أجدادنا فى القديم فإنهم الآن يشترون عقولنا وأدمغتنا ! لقد بنى أجدادنا العمارات والجسور والطرق ومحطات السكك الحديدية وزرعوا القصب وأقاموا المصانع .. والآن جاء دورنا ! قلت كيف ؟ قال : بماذا تسمى او تفسر وجود خلاصة العقول المسلمة فى بلادهم ؟ وبماذا تسمى أو تفسر امتلاء المختبرات العلمية فى امريكا واوروبا بباحثين من كافة الدول الاسلامية ؟
** قلت : هى الفرصة التى منحوها لهذه العقول حتى تبتكر ؟ قال : وبماذا تفسر نقمتهم عليها واطلاق رصاص الغدر عليها ؟ قلت : لعلها "الموساد" قال : أليست "الموساد" احدى خلايا الصهيونية العالمية ؟ قلت : نعم ! قال: لقد جئنا الى هنا للمشاركة فى المؤتمر الكبير لرجال الأعمال أو تدرى من الذى نظمه ؟ قلت : لا قال : انه "الروتارى" !
** كان ختام التحقيق يكشف عن تحقيق آخر دخلت فيه مباشرة لكننى والحق يقال نسيت الصحافة والعمل الصحفى تماماً وأنا استمع وانقل ما هو أخطر !
** قال الدكتور أبو بكر : لقد دعينا إلى هنا على حسابهم وأقمنا فى هذا الفندق الرائع على حسابهم وكانت مهمتنا هى فتح آفاق جديدة للعمل فى مجال التجارة والاقتصاد فى الكنز الافريقى الأسود ! هكذا – كما ترى – لم يكتفوا بما فعله معهم وممن أجلهم أجدادنا فجاءوا بنا نحن إلى هنا للتكملة ! تكملة ماذا ؟ سألت الدكتور أبو بكر فقال : تكملة المشوار الذى فرضوه على أجدادنا مشوار العبودية والعياذ بالله ! قلت : كيف ؟ قال : ألا ترى اننا فى معظم انحاء افريقيا ننفذ أهافهم ورؤيتهم فى كافة المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ؟قلت : يبدو ذلك ! قال : ألا تلاحظ اننى الوحيد الذى يتحدث معك بالعربية ؟ قلت : نعم . قال : لقد حاربوا انتشار العربية فى افريقيا باعتبارها بوابة الدخول إلى الاسلام . قلت : إلى هذا الحد يحقدون على ديننا الحنيف ؟ قال : كل ما يهمهم تنفيذ مصالحهم ومخططاتهم ولأن العربية والإسلام سيحولان دون ذلك فقد حاربوهما ولسوف يظلون فى هذه الحرب !! قلت : وثورات الاستقلال ، ومظاهر الإحتفال ، وصيحات التحرر ؟ قال : التحرر الحقيقى ان يكون قرارك بيدك وان تكون ثقافتك خاصة بك ، وان تكون لغتك هى روحك ومعدنك ، وان تكون عاداتك وتقاليدك نابعة من دينك . تكون عاداتك وتقاليدك نابعة من دينك . وأن تجد العقول المبدعة بقدرة الله فى مختبرات ومعامل الدول الاسلامية ، وان تجد كل المواهب طريقها الى النور ، وام يكون مفهوم "الأمة" حاضراً فى ذهن الجميع ، وان يكون الانتساب إلى الاسلام رمزاً للفخر والاعتزاز .. قلت : ولكن ! قال : ولكنك تصر على اصطناع عدم الفهم !
|