من الآن فصاعداً لن يرد مدير مكتب "الوطن" في القاهرة علينا بكلماته الموجزة الحاسمة "تحت أمرك"، "أأمر"، "حاضر"، "أبشر"، "كونفيرم".
من الآن فصاعداً لن يرسل مدير مكتبنا المادة المطلوبة في الزمن المطلوب وبالمساحة المطلوبة.
مات أشرف الفقي الصحفي النابغ والإنسان المهذب والأب الحنون لأسرته ولأسرة مكتب "الوطن" بالقاهرة.
مات أشرف بعد أن انتهى من إرسال مواد القاهرة بما فيها التقرير الذي أعده بنفسه عن مباحثات الرئيس مبارك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي.
أكثر من عقدين من الزمن وهو يركض الركض الجميل ويصفح الصفح الأجمل عن كل الذين اختلفوا معه أو أساؤوا إليه.
نصف هذه الفترة، أي نحو عشر سنوات كاملة قضاها الفقي مديراً لمكتب "الوطن" في القاهرة دون أن يتلقى فيها إنذاراً أو لفت نظر أو حتى عتاباً رقيقاً من رؤساء تحرير "الوطن" الذين تعاقبوا عليها أو نوابهم ومساعديهم.
عشر سنوات وهو يستجيب بأدب جم لملاحقة القسم السياسي وإلحاح أقسام الثقافة والحياة والرياضة وبقية أقسام الصحيفة.
ظل أشرف الفقي يجري ويجري حتى كاد قلبه يتوقف قبل ثلاث سنوات دخلت معه يومها غرفة العناية المركزة لتغيير شرايين القلب.. يومها أوصاني أشرف بالزملاء في مكتب القاهرة، فهذه السكرتيرة تأتي من أقصى الجنوب قبل التاسعة صباحاً وتغادر في المساء لمدة 5 سنوات وتنتظر تعيينها، وهذا الزميل الذي أعجبكم شغله وتغطياته ينتظر مكافأة، وهذا المراسل الميداني يتمنى لو يتم تعيينه.. لن أوصيك على "صالح" يا شريف إذا مت "طلّع روحه في الشغل" قالها وهو يضحك فيما يتعجب الجراح الشهير الدكتور عادل إمام من هذا "المريض الجميل" حسبما وصفه.
مات ابن بورسعيد الذي رضع منها البسالة والشهامة تاركاً ثلاث أسر كاملة كان لها نعم الأب، الأولى أسرة تحرير "الوطن" في القاهرة، والثانية أسرة "نادي 15 مايو بحلوان" التي انتخبته قبل أسابيع رئيساً لها وللنادي أما الثالثة فتضم زوجته نسرين محمد علي وأبناءه إنجي ويوسف ومريم..
"وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون".