test  ~ شريف قنديل ~ فثسف  ~ شريف قنديل ~ 110  ~ شريف قنديل ~ ((المسلمون)) تحاكم الشباب الجزائرى  ~ شريف قنديل ~ تطور جديد .. الجزائر دخلت مرحلة الشك !  ~ شريف قنديل ~ هموم الحضارمة   ~ شريف قنديل ~ فضيحة المسلمين على شاطى الجحيم فى عدن  ~ شريف قنديل ~ شريف قنديل يكتب من كابل  ~ شريف قنديل ~ • قنابل فى القرن الأفريقى   ~ شريف قنديل ~ عندما يكون "الاندماج" جريمة  ~ شريف قنديل ~ المصـارحـة والمصالحـة المعقـدة والبكاء على الصناديق المجهضة  ~ شريف قنديل ~ الصومال الجريح   ~ شريف قنديل ~ شاهد على العصر "الشيخ محفوظ النحناح "  ~ شريف قنديل ~ • حوار مع الرئيس الأثيوبى منجستو   ~ شريف قنديل ~ •قطار الموت فى جيبوتى "جسر برى لإغراق العاصمة بالمخدرات والخمور والدعارة"  ~ شريف قنديل ~
الأحد, 22/ديسمبر/2024
 
الصحفي الحزين :: تصويت

 لا يوجد استفتاء في الوقت الحالي.

 » الغناء بالعبري على قناة النيل.. بلا نيلة!
 » جزيرة الرقيق
 » رجال الأنابيب
 » مقتل 200 ألف مسلم فى 20 يوماً
 » جيبوتى تغلق علب الليل
 » •قطار الموت فى جيبوتى "جسر برى لإغراق العاصمة بالمخدرات والخمور والدعارة"
 » لعبة العسكر
 » مزارع ومصـــــانـــــــع الـحـشـــــــــيـش
 » هي لا تفعل شيئا في الخفاء.. إنما على الهواء
 » ثرى عربى يشترى أربــــــع فتيـــات بيهاريات
 » ذئاب فى فنادق نيجيريا
 » الرســـول الالكترونى !
 » خجولة ويتيمة وشقيقها مشلول
 » قصة اختفاء مليون مسلم
 » عقد الماس
 » هل هيبة الوزراء؟
 » هموم الحضارمة
 » يا أهلاً بالهزايم
 » ربطونى فى واشنطن
 » • حوار مع الرئيس الأثيوبى منجستو
 
  زراعــة الرحــمة
 
 
بتاريخ 17 ديسمبر 2007
 
 
 
 
 
 
 
 
زراعــة الرحــمة
 
 
 
فـريــق سـعـودى يـــزرع الـبر والـرحمـة عـن طـريـق الكـلى
 
الأطباء :هـذه شـهادة لخلو المجـتمع مـن أمـراض الغـرب
 
"أولاد الحرام لم يبقوا شيئاً لأولاد الحلال" . "خيراً تفعل شرا تلقى".
"احذر من عدوك مرة ومن صديقك الف مرة".
"أكلوهم لحم ورموهم عضم".
"اتق شر من أحسنت اليه".
"حتى تتمكن أمش مع قاتل أبيك".
آلاف الأمثلة والأمثال التى تقول إن دنيا الأمان قد انتهت واننا فى عالم السمك .
اجتهد محررو الحوادث والقضايا فى مختلف الدول الاسلامية ليثبتوا وبفرحة شديدة ان الابن قاتل لأبيه .. والزوجة خائنة لزوجها .. والابنة جاحدة لأهلها هاربة منهم .
اجتهدوا وأنتشروا وتجسسوا وتحسسوا ليعلنوا للجميع أن الدنيا بما فيها ومن فيها أصبحت صفحة للحوادث .

**     وسط هذا الكم الهائل من الحوادث الاخلاقية تختفى أخبار أخرى تحاول على استحياء أن تقول  للناس أن الدنيا ما زالت بخير وسوف تظل بخير لأننا مسلمون حتى وان كان بعضنا مسماً         بالاسم .
**     آلاف الصور تذكرتها وأنا أتجه إلى هذا الابن البار الذى جاهد طويلاً من أجل أن يقبل والده أن يتبرع له بكليته لينقذه من الموت . صورة الابن الحاصل على الدكتوراه الذى باعت أسرته من أجله كل شئ الأرض والمصاغ ثم منقولات البيت وجهاز أخته العروس ، وحين مات الأب تاركاً له أمه وأخوته يعيشون فى كنف الدكتور الكبير أدار ضهره إليهم ثم أداره مرة أخرى لهم ليسمعوا كلمات الموت : "أخرجوا إلى الشارع أو إلى أى مكان آخر لأننى بحاجة إلى هذه الشقة لكى أتزوج فيها" . تموت الأم حسرة ويترك الأخر الأصغر دراسته لينضم إلى جماعة إرهابية ويفر عروس الأخت .. كل هذا لا يهم ، فالمهم أن يرضى الدكتور الكبير غرور ابنة المليونير التى خطبها وينوى الزواج بها .
أصبحت جملة "فلان بار بأبيه" خبراً ..
 
 
**     قبل أن أحمل أوراقى وأتوجه إلى مستشفى الشاطئ بجدة لألتقى به كانت الأسرة قد إستيقظت على صوت نحيب وبكاء ليس هو النحيب والبكاء المعتاد الصادر من قلب وجسد الأب المسجى على سريره والذى أنهكته آلام الكلى تماماً وحولته إلى حطام .
**     كان صوت النحيب هذا الصباح صادراً من "محمد" ذلك الابن الصغير الذى لا يريد أن يكف عن البكاء رحمة بأمه وأخوته الذين أضناهم نحيب الأب .
**     "لماذا البكاء يا محمد" ، "كن رجلاً يا محمد" ، "ما هكذا يفعل الرجال يا محمد" .. يا أيها الولد الجميل ، الأمل فيك أكبر وأجمل فكن صابراً ولاتبك كلما بكى أبوك رحمة بدموع أمك والرعب الذى ينتاب أخوتك فى كل نوبة من آلام الكلى اللعينة .
**     آه أيتها الكلية الصغيرة التى حولت بيتنا إلى جحيم . استنزفت سعادة بيتنا ولما تأكدت من ذلك بدأت فى إستنزاف المال .. الآن لم يعد عندنا سعادة ولم يعد عندنا مال .. لدينا أمل كبير فى الله .
**     آه .. عالية وواسعة بعلو هذا المدى ووسع هذه الدنيا .. صرخة قوية انطلقت مـن حجرة النوم . كان الفزع راقداً فى عيون الصبايا وجاثما على صدر الأم ، تحول هذا الفزع إلى وحش كاسر .. صرخ الصغار وصرخت الأم .. إنه "محمد" جروا جميعاً نحوه وكان المنظر الأليم الجميل ! محمد راقد على الأرض ووالده راقد على سريره ، الأب يبكى "ومحمد" يمسك بجنبه وبالتحديد بكليته . الصبايا لا يفهمن شيئاً .. الأم الكبيرة خرجت منها آه مكلومة : "وأنت أيضاً يا محمد" ! استغفر الله العظيم ، ألم يكف الأب ، ألم يكن فيه الكفاية حتى تريدين أيتها الكلى القاتلة أن تنالى من "محمد" أيضاً .. هذا ما كنت أخاف منه !
**     كررتها الأم أكثر من خمس مرات متتالية .. ازداد بكاء الصبايا واشتعل الحزن فى عيون الجميع ، وفجأة يرتفع صوت محمد : لا يا أمى لا تخافى .. تعالى أنا بخير ! قل لهم يا أبى : يبكى الأب وتبكى الأم ، والفزع متمكن من عيون الصبايا لا يريد أن يبرح المكان .
 
* * * * * * * * *
 
**     الأم لا تريد أن تعطى لنفسها فرصة ولادة الأمل وإنتهاء هذا الكابوس ، إنه الحزن ، كأنه كتب عليها وكانت ولعلها ما زالت صابرة عليه ومتحملة وحاملة آلام الزوج المسكين ، أما أن يصاب محمد هو الآخر وبنفس المرص فهذا ما لا تقدر عليه .. إذا قدر جسدها فإن قلبها لا يستطيع التحمل .. ها هو قلبها يهدد بالتوقف !
**     "تعالى يا أمى" قالها "محمد" بصوت كله قوة أعادت للأم توازنها . لقد إختفى هذا الصوت القوى منذ مرض الأب المسكين .. "قلت لك تعالى يا أمى" .. تدخل الأم الحجرة وينهض الأبن ليغلق الباب حتى لا يسمع الصغار .. يبدو أن هناك شيئاً مختلفاً .. يارب تكون سليممة .. يارب .. إنه الأمل .. إن جسده الصغير لا يستطيع أن يتحمل أمراضها .. لقد أنهكت الأب بجسده القوى .. فمما الذى ستفعله بمحمد ؟!
**     كليتى سليمة يا أمى وأريد أن أعطيها لأبى .. اسبوع كامل يا أمى وأنا أستحلفه بالله العظيم ليقبل دون جدوى .. حاولى معه يا أمى .. حاولى معه .. قولى له يأخذها .. قولى له يا أمى انها جزء صغير من تلك الليالى التى سهرها والأيام التى كافح فيها من أجلنا .
**     لقد تفاهمت مع الطبيب على كل شئ .. لقد قام بعمل التحاليل اللازمة والحمد لله انها اثبتت ان كليتى تصلح تماماً لأبى .. بالله عليك قولى له يأخذها ليريحنى .. إنه لم يرفض لى طلباً أو أمراً طوال عمرى . ها هو المطلب الوحيد الذى أطلبه منه ويرفض تلبيته .. لماذا يا أبى .. إنك لم تبخل علىٌ يوماً بشئ ، فلماذا تبخل علٌ هذه المرة ؟
 
* * * * * * * * *
 
**     تبكى الأم .. تنتحب .. انها لا تستطيع الاجابة .. لا تستطيع الكلام ، ينادى محمد إخوته الصغار : تعالوا : اطلبوا منه أن يوافق اطلبوا منه أن يحقق لى هذه الأمنية الغالية ، انكم مثلى تماماً .. لم يرفض لكم طلباً .. استحلفوه بالله أن يوافق .
**     ماذا تريد يا "محمد" ؟ يسأل الصغار .. ويجيب محمد ولا يفهمون . يشير محمد إلى صغراهم قائلاً : فليكن لأجلها يا أبى .. ليكن لأجل هذه الصغيرة حتى تكبر وهى تشعر بالدفء والحنان فى كنفك ورعايتك .. ان لم يكن من أجلى فليكن من أجل أمى واخوتى .
**     لقد تحدثت مع الطبيب فى كل شئ .. ليس هناك خطورة علىٌ يا أبى .. أعلم أنك تخشى علىٌ .. لكنها يا أبى أصبحت عملية سهلة وميسورة ، ويكفى أن تعلم ان الدكتور/ عبد اللطيف ادريس الذى سيجريها أجرى خمسين عملية مثلها .
**     خذها يا أبى .. بالله عليك .. بحق الدعوات التى كنت تدعو لى فيها عقب صلاة الفجر .. خذها لقاء لهفتك علىٌ إذا تأخرت قليلاً عن موعد العودة من المدرسة .. خذها كفاء قلقك علىٌ إذا خرجت منى "كحة" واحدة .. خذها رمز المصروف الذى لم أكن أدرى ماذا تفعل من أجل توفيره لى ، وحين علمت قلت لى إنك فى منتهى السعادة وأن العرق والدم يهونان من أجلنا .. هان عليك عرقك ودمك ، جسدك وروحك وها أنت ترفض لى طلباً واحداً يعيد لى ولك ولأمى واخوتى الدفء والحنان .
**     ينخرط الجميع فى البكاء وتعبث الابنة الصغرى بالشعيرات البيضاء التى بدأت تتسلل إلى لحية الأب .. يحتضنها الأب وينهض .. ها هى المرة الأولى منذ شهور التى يقف فيها الأب متماسكاً .. ويقف الجميع فى الحجرة الضيقة .. ويختفى "محمد" .. كان كمن ذاب فى أحضان والده !
**     توجهت إلى مستشفى الشاطئ بجدة التابع لوزارة الصحة السعودية وكانت المفاجأة .. على الأقل بالنسبة لى ..فريق طبى كامل يزرع البر والرحمة والتراحم عن طريق الكلى .. لم تكن حالة محمد هى الأولى ولا الثانية .. لقد أجرى الفريق فى جدة وحدها 49 حالة مشابهة .
**     سألت الدكتور/ عبد اللطيف أدريس عن الحالات التى اجراها ، ولأننا فى عالم أو فى دنيا نظيفة تحب الإيثار أجاب :
-   حتى أكون أميناً فلست أنا وحدى الذى أقوم بالعملية .. فزراعة الكلى تتكون من فريق كامل يبدأ بالاخصائى الاجتماعى .
-       الحالات التى تأتى اليكم هل تصطحب معها المتبرع أم ماذا يحدث؟
-   البداية شعور المريض بالتعب حيث لا يدرى أن لديه قصوراً فى الكلى ، ثم يشعر بأعراض الفشل الكلوى "قلة البول" الارهاق الشديد وغيرها . قد يكون هذا الفشل مؤقتاً وقد يكون كاملاً وإذا كان الثانى يصبح لا مفر من "الغسيل" ثلاث مرات فى الاسبوع على الأقل 4 ساعات فى كل مرة ، ولك أن تتخيل حياة هذا المسكين بهذا الشكل .. فقبل الغسيل مباشرة تكون السموم قد تجمعت ويحدث القئ ويظل هكذا .. إنه يعانى معاناة شديدة تكاد تحول حياته إلى جحيم وهنا يتجه تفكيره وتفكير من حوله إلى عملية الزرع .
-   يبدأ التفكير عادة فى قريب من الدرجة الأولى حيث تتطابق فصيلة الدم وحيث ينص النظام على ذلك ، لأن بيع الكلى أمر مرفوض شرعاً . وعندما يتقدم المتبرع نبحث أول ما نبحث عن درجة قرابته للمريض ثم ننظر إلى حالته الاجتماعية والنفسية وبعد ذلك كله لابد أن تكون فصيلة الدم متطابقة ، ثم نبدأ فى تحليل الأنسجة والتى تظهر لنا أنه اذا ما زرعنا الكلية فلن ترفض تماماً خاصة اذا تم الاستعانة بالأدوية المساعدة للرفض .
-   يضيف الدكتور/ عبد اللطيف ادريس : فى حالة استقرار الحالة الصحية للمتبرع وبعد التأكد من سلامة الكليتين وسلامة بقية أعضاء البدن نبدأ فى عملية الزرع .
-       هل تختلف فرص التطابق بين الأقارب .
-   دائماً الأقارب من الدرجة الأولى تكون فرصة التطابق بينهم أفضل كما انها تكون أقل فى رفض الكلية من ناحية الجينات وعلم الوراثة .
-       ... ؟!
-   دينا 451 مريضاً يعانون من الفشل الكلوى وهذه الاحصائية خاصة بشهر ديسمبر فقط ، وهناك من ينتظر منهم دوره فى الزراعة ، وبعضهم ينتظر وصول حالات لموت الدماغ .
-       أما بالنسبة لعمليات الزرع فقد قمنا بحمد الله بـ 32 عملية زرع كلى للرجال و17 عملية للنساء .
-       هذا الرقم ماذا يعنى بالنسبة لك ؟!
-   يعنى باختصار أن مجتمعنا بخير والحمد لله وأنه لم يتفكك بعد مثلما حدث فى المجتمعات الأوروبية ، والمهم أن نحافظ على هذا التماسك .
-   وراء كل حالة من حالات التبرع قصة غنسانية رائعة تبدد قصص الغدر والخيانة والقتل والثأر والسرقة وغيرها ، فما هى أبرز القصص التى صادفتك ؟!
-       هذا السؤال تستطيع أن توجهه إلى الاخصائية الاجتماعية .
**     بحثت عن الاخصائية الاجتماعية فى أروقة المستشفى ذهبت إلى مكتبها فلم أجدها .. وعندما مررت على القسم الخاص بغسيل الكلى سمعت صوتاً يقول : خالة فاطمة كيفك اليوم؟!
**     هناك دائماً حكاية وراء كل باب .. حكاية الكلية الجديدة التى بعثت الحياة فى جسد لم يعد يتحمل آلام الفشل الكلوى .
**     إنها حكاية صاحب "المرض" .. وحكاية صاحب الكلية "السليمة".
**     والخيط الأول من كل حكاية يبدأ عندها .
**     منى إبراهيم بنقش الاخصائية الاجتماعية لمستشفى الشاطئ .
**     لم تدرس الطب يوماً ما .. لكنها درست التخفيف عن آلام الموجوعين .
**     معلوماتها الطبية ليست بأفضل من معلوماتى عن اللغة الهيروغلوفية . لكن يبدو أن دراسة الاجتماع هى التى أمدتها بهذه الذخيرة .
**     ولأن موضوعنا هو الفشل الكلوى والتبرع لتحويل هذا الفشل إلى نجاح فقد دخلت فى الموضوع مباشرة .
**     سألتها : علاقتك تبدأ أولاً بالمريض أم بالمتبرع ؟
-   فقالت : المريض بالفشل الكلوى يمر بمرحلة تسمى الغسيل . ولأن هذاالغسيل يتم بالمستشفى فهذا يعنى أن المريض سيتردد علينا مرة أو مرتين أسبوعياً . ومن هنا تنشأ العلاقة ، ويفتح السجل الخاص به المدون به السيرة التاريخية لبدايات المرض وكافة المعلومات التى تسهل عملية التبرع فيما لو تقدم أحد أقاربه لذلك .
**     أسمعك تقولين "أقاربه" .. ألا تقبلون أى متبرع آخر غير الأقارب ؟
-   مطلقاً .. هناك شرط هام .. أو تستطيع أن تسميه قانوناً ، فالمتبرع يجب أن يكون من أحد أقرباء المريض ونحن نستوثق من ذلك قبل أن نقطع أية خطوة هامة . ولا تظن أن هذا الشرط خاص بنا وحدنا ، إنه عرف له منطقه ودلالته العلمية ، ففضلاً عن أن احتمالات نجاح زرع الكلى عن طريق الاقارب أكثر نجاحاً منها إذا كانت كلية غريبة .. فان الكلية الغريبة ربما ينتج عنها نزاعات قانونية ومادية نحن فى غنى عنها .
**     هل يقتصر دورك على مجرد التأكد من صلة القربى بين المريض والمتبرع ؟
-   بعد أن نتأكد من صلة القربى أسأل المتبرع عن أسباب تبرعه وأتأكد مننيته الصادقة فى ذلك وعدم تعرضه لأى ضغوط نفسية ، ومعرفة إن كان أحد غيره فى العائلة يتمتع بنفس فصيلة دمه أم أنه هو الوحيد .. وذلك لمواجهة كافة الاحتمالات .
**     وما الأهمية فى التأكد من النية الصادقة طالما أنه اء إلى المستشفى بمحض إرادته وأن فصيلته مناسبة ؟
-   سأحكى لك موقفاً ربما يجيب عن سؤالك. لدينا أحد المرضى بالفشل الكلوى ممن يحتاجون لزرع كلية . جاءنا ابنه وأعلن رغبته فى التبرع ، حين جلست مع الابن أحسست انه متردد وخائف على أولاده وزوجته ، وان الذى دفعه للتبرع هو الضغوط العائلية .. هو من داخله رافض .. لكن الوضع الاجتماعى هو الذى أجبره .. وهنا اتفقت مع الطبيب أن نخبر المريض والمتبرع بان فصيلة المتبرع غير مناسبة وبهذا جنبناه الاحراج أمام والده .
**     يا له من نموذج سيئ للابن .
-   أبدا .. فقد جاء نفس الابن بعد فترة وأعلن رغبته فى التبرع ، قال : ان كل شئ قضاء وقدر .. وأنه يمكن أن يلحق به أذى وهو يحمل كليتيه وتمت العملية وهما الآن – الأب وابنه – بخير وعافية .
**     أريد أن أتعرف على النماذج المشرٍّفة التى تبرعت بجزء ينبض بداخلها لبث الحياة لجسد كاد يتوقف عن النبض .
-   سأعطيك هذا الملف .. اقرأ بنفسك فلسانى – مهما كان فصيحاً – لن يستطيع ان ينقل بأمانة المواقف التى يضمها .
**     وتتركنى وحدى أقرأ صفحات الملف .. كل صفحة عبارة عن ملحمة انسانية ، ابطالها لم يقفوا – طيلة حياتهم – على خشبة مسرح ، لكنهم ادوا دورهم الانسانى بإعجاز .. بدون تمثيل .
 
حكاية غريبة جدا
 
**     شاب سعودى فى العشرينات من عمره .. جاء إلى المستشفى يعلن عن رغبته فى التبرع لزوجته .. يسألونه أين زوجته . فيقول لهم انها نزيلة بالغرف (...) .
-   إعتقدوا أنه أخطأ فى رقم الغرفة انها تخص سيدة عجوز تعدت الخمسين .. لكن المفاجأة ألجمتهم قوله : نعم هى .. انها زوجتى .
**     الأوراق تقول إنهم جلسوا معه يحاولون اماطة اللثام عن السبب الحقيقى للتبرع .. الدافع الذى يدفع شاباً فى مقتبل العمر إلى هذه المغامرة .. هل هو الحب كما يؤكد أم هو المال ؟
**     تقول الأوراق – أيضاً – أن السيدة ليست ثرية وان الحب هو الدافع . ولأول مرة يحاولون أن يثنوه عن رغبته لكن كل المحاولات ضاعت سدى .
**     الغريبانه كان يرفض أن تقوم الممرضة بدفع زوجته العجوزالمريضة وهى تجلس فوق الكرسى المتحرك . كان يفضل أن يقوم بدفعها بنفسه .. منتهى الحب .. ومنتهى الدهشة التى تملكتنى .. وتملكت من رأى وكتب هذه الحكاية .
ملحـوظـة : العملية تمت بنجاح وغادرا المستشفى ليعيشا فى "تبات ونبات" لكنهما لن ينجبا "صبياناً وبنات" .. مرة أخرى : الزوجة فوق الخمسين !
 
حماته !
 
**     منتهى الطرافة .. أليس كذلك ؟
-   الأطرف من ذلك هو تلك السيدة التى تبرعت باحدى كليتيها لزوج ابنتها .. والله العظيم حصل . حماته تبرعت له !
-       حقاً لقد ظلموا الحموات .
**     ولكن كيف حدث هذا ؟
-   إنه شاب فى منتهى القوة والفتوة .. فى قمة النجاح والأخلاق . فجأة يسقط صريع الفشل الكلوى . ذهبت كل القوى .. واختفت ملامح الوسامة ولم يجد بجواره سوى زوجة شابة تبكى ليل نهار .. وتحول بكاؤها إلى ألم عندما حاولت التبرع له فلم تجد فصيلتها مناسبة . الأم تعرف تعلق ابنتها بزوجها .. أيقنت أنه إذا حدث للزوج لا قدر الله أى مكروه فسوف تلحق به ابنتها .
**     هى لا تريد أن تفقد ابنتها كما أن ذلك كما ان ذلك الشاب الصريع مثال للحنان والرجولة عليها وعلى ابنتها . وتذهب "الحماة" إلى المستشفى لتعرف إذا كانت فصيلة دمها مناسبة أم لا ؟ وهناك – أقصد هنا- يخبرونها بأنها مناسبة تماماً .
**     ولأول مرة – فى حدود معلوماتنا – تنقذ الحماة زوج ابنتها وتتم العملية وهو بخير .. وهى كذلك وبالطبع أكثرهم سعادة : الزوجة الشابة .
**     غرقت تماماً فى هذا الملف .. اسمعوا معى هذه الملحمة العجيبة :
-   أم هدَّها المرض تماماً . تتقدم ابنتها الشابة تعلن رغبتها فى راحة أمها . خذوا كليتى .. خذوا أى شئ .. المهم ماما تعيش .
-   كل التحاليل والفحوصات فى صالح العملية .. الحمد له . هكذا قالت الفتاة .. الأم ما زالت فى غيبوبة المرض .. لا تعلم شيئاً .
-   وتتم العملية .. لكن الفترة الحرجة التى تعقبها لم تمر بسلام . احتمال طرد الجسم للكلية وارد بنسبة كبيرة . ويجن جنون الفتاة .. وتستحث الاطباء ان يفعلوا أى شئ . طلبت منهم أن يأخذوا منها أى شئ آخر لو كان ذلك سينجى والدتها . سألت ببراءة : هل يمكننى أن أتبرع بروحى لها ؟
-   ويستمر الأطباء فى إعطاء الأم الأدوية اللازمة التى تمنع رفض الجسم للكلية حتى جاء الفرج من عند الله وبدأت الكلية تعمل .. وبدأت الحياة تدب فى أوصال الأو .. وابنتها .
 

واجــب يقــترب مــن الفــرض
 
الفقهاء : إنـه الــبـر يمـشـى بيننــا  
علماء الاجتماع :هذه الحالات دلائل بداية الوحدة الإسلامية
 
**     الشيخ / صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية يقول : لقد بحث هذا الموضوع من قبل كثير من العلماء وفى المجامع الفقهية ، فإذا لم يكن هناك ضرر على حياة المنقول منه وتحقق التحسن للمنقولة إليه بإذن الله فهذا لا مانع منه وألا يكون ذلك بثمن (بيع) من باب التربح وأن يكون المنقول منه جائز التصرف . ولا تنقل من ميت أو شخص غير جائز التصرف وغيرها من الضوابط ، وحين يتبرع المسلم لأخيه المسلم فيه أجر كبير من الله لأنه أنقذ حياة مسلم دون مقابل .. ناهيك عن تبرع الابن لأحد والديه ، وما فيه من بر للوالدين والذى يدل دلالة واضحة على ترابط المجتمع الاسلامى والأسرة الإسلامية على المحبة وصلة الأرحام وهى ما أمر بها الله وأوصى بها الرسول صلى الله عليه وسلم ، إذا فهذا فيه بالاضافة إلى بر الوالدين طاعة الله ورسوله وهذا فيه أجر عظيم وثواب جزيل .. فنحن نسمع فى الغرب تفكك المجتمع والأسرة وما صاحب ذلك من نكران للوالدين من الابن وعدم وجود الدافع القوى الذى يربطه بأسرته فى حين أن الإسلام يحثنا دائماً على صلة القربى والبر بالوالدين وجزاء من يبر الوالدين ويؤكد أن تبرع الابن لأحد والديه بجزء من بدنه هو من البر بمكان عظيم فيه أجر وثواب للابن ووفاء للأبوين يثيبه الله عليه .
**     ويرى الدكتور/ عبد الغفار عزيز الاستاذ بالمعهد العالى للدعوة بالمدينة المنورة : ان التبرع بالكلى من الابن للأب الذى تتوقف حياته عليها أمر واجب إذا ثبت أن الشاب لن يتأثر صحياً بالتبرع بكليته ، وهو من الأمور التى تتعلق تعلقا صريحاً ببر الوالدين ، فليس البر بالمال وحسب أو بالزيارة والصلة وحسب .. لكن يلاحظ أن هذا التبرع يكون دون مقابل من مال أو طمعاً فى إرث أو وصية بشئ مادى له ، لأنه فى هذه الحالة يكون كأنه يبيع كليته ، وهو حرام إذا دخل فى نطاق البيع .
**     وأكرر أن الشرط الرئيسى فى ذلك إثبات عدم الضرر من الطبيب المسلم بالنسبة للابن المتبرع.
**     هذا بالنسبة للمتبرع الحى ، أما الميت فيجوز التبرع بشرط موافقته قبل موته أو استئذان أهله بعد موته ولا ضرر فى ذلك على الميت ، لأن الجسد فان ، والحى أبقى من الميت .
التبرع بشئ طبيعى
 
**     تقول الدكتورة / أمينة حسن أستاذ أصول التربية بكلية البنات بجامعة عين شمس : أن تبرع الابن للأب باحدى كليتيه أو بأى جزء من أجزاء جسمه شئ طبيعى غير مستغرب ن لأن هذا الأبن هو جزء من والده ، وبالتالى فإنه من صالحه أن يبقى الأب ويتمتع بصحته لأن ذلك يشكل إستمراراً لوجوده هو فى نفس الوقت .
**     وتضيف أن هذا التبرع يمثل رداً للجميل من الابن لوالده ، ويمثل أيضاً قيمة كبيرة يجب أن تسود المجتمع وهى تعطى الأمل فى أن المجتمع الاسلامى ما زال بخير وما زال أفراده يشكلون وحدة واحدة فى مواجهة الحياة .
**     وتؤكد الدكتورة / أمينة على أنه كلما كان الأب حريصاً على ابنه ، وكلما كان الرباط الأسرى بينهما قوياً كان هذا التبرع شيئاً عادياً وطبيعياً .
**     يقول الدكتور/ عبد الهادى الجوهرى أستاذ علم الاجتماع والعميد السابق لكلية الآداب بجامعة المنيا بمصر .
**     ان الدين الاسلامى يحض على التكافل الاجتماعى وهذا التكافل نوعان : مادى يتمثل فى الزكاة المفروضة على المسلمين ، وأدبى يتمثل فى وقوف المسلم بجانب أخيه فى كل المواقف والمشكلات ، وهناك الكثير من الآيات والأحاديث التى تحض على التكافل بنوعيه .
**     وإذا كان هذا التكافل واجباً بين المسلمين من غير ذوى القربى ، فإن الأب يكون أولى بالرعاية والعناية ، ويصبح تبرع الأبن بإحدى كليتيه لأبيه بسبب ضرورة بيولوجية قصوى هو قمة التضحية وقمة رمز التكافل الإجتماعى .
**     ويرى الدكتور / الجوهرى أن هذا التبرع من الابن ي}صل ويؤكد الرابطة الدموية والاجتماعية بين أفراد الأسرة الواحدة وهو يمثل درساً للأخوة فى بذل الغالى والرخيص . مما ينعكس بدوره على باقى أفراد المجتمع الصغير ، وحتى تتسع الدائرة لتشمل المسلمين جميعاً ، بما يمثل أول خطوة نحو اتحادهم وتضامنهم وانصهارهم فى كيان واحد .
**     يقول الدكتور/ عبد الجليل شلبى الرئيس السابق لمجمع البحوث الاسلامية بالأزهر :
-   أن القاعدة الإسلامية تقضى بجواز التبرع بالدم أو بأى عضو من الجسم لا يحدث نقصه أثراً فى حياة الشخص المتبرع ، وذلك مثل التبرع بالكلية التى لا يحدث التبرع بها ضعفاً أو أثراً مضراً بالجسم .
-   وأما بالنسبة للولد ووالده فإذا كان أحدهما فى خطر ، والتبرع بالعضو ينقذ حياة من هو فى خطر ، وفى الوقت نفسه ليس له أثر على الشخص المنقول منه فهذا التبرع حينئذ واجب ، فقد يرقى إلى الفرض لإنقاذ حياة المريض .
-   ويؤكد الدكتور/ شلبى على ان الامر يتساوى فى حالة ما إذا كان التبرع من الولد إلى الوالد أو العكس لأنه إذا كان الابن مطالباً بأن يبر والديه فإن الوالد أيضاً مطالب بأن يحافظ على حياة ابنه .
 
مطلوب شرعاً
 
**     يقول الشيخ / أحمد حسن مسلم عضو لجنة الفتوى بالأزهر ، وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية .
-   أن الأصل فى هذا الموضوع هو أن الكليتين أو أى جزء آخر من الجسم أمانة أودعها الله سبحانه عند صاحبها الذى لا ينبغى له أن يفرط فى الأمانة .
-   ولكن التبرع بالأعضاء جائز فى حالة ما إذا قرر طبيب مخلص موثوق به أن هذا التبرع لا يؤثر على حياة الشخص المتبرع ، وهو من الأعمال المندوبة أو المستحبة التى يثاب على فعلها المؤمن ثواباً عظيماً .
-   ويضيف فضيلته انه فى حالة التبرع من الابن إلى الوالد باحدى كليتيه فان ذلك يدخل فى باب البر بالوالدين وهو مطلوب لقوله سبحانه وتعالى "وبالوالدين إحساناً" بالإضافة إلى أن الأب من أحد الأسباب الرئيسية فى وجود الولد وهو ما يجعل فه إعتباراً خاصاً ووضعاً مميزاً .
-   ولكن هذا التبرع لا يرقى أن يكون فرضاً على الابن عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "أنت ومالك لأبيك" لأن الكليتين لا تدخلان ضمن الأموال ، وعلى ذلك فإننا نؤكد أن هذا العمل يثاب عليه الأبن ثواباً كبيراً ، ولكنه ليس فرضاً عليه .
**     يقول الشيخ / عطيه صقر عضو لجنة الفتوى بالأزهر ، وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية :
- أنه إذا توقفت حياة الوالد على نقل كلية له ، ولا توجد غلا كلية ابنه كان من باب البر بالوالدين والاحسان بهما ان يعطى الولد كليته لأبيه بشرط ألا يكون نقل هذه الكلية فيه ضرر جسيم على الولد بناء على قوله سبحانه وتعالى : "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" .
 عدد القراء : 1789

اطبع هذه الصفحة نسخة للطباعة

عودة لأعلى